للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثَّاني: أنَّ الْمُدَّة التي اسْتَثْنَاهَا الله هي الْمُدَّة التي بَيْن بَعْثِهم مِنْ قُبُورِهم واسْتِقْرَارِهم في مَصِيرهم. قَاله ابن جرير أيضًا.

الوَجْه الثَّالث: أنَّ قَولَه: (إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) فِيه إجْمَال، وقَد جَاءت الآيَات والأحَادِيث الصَّحِيحَة مُصَرِّحَة بِأنَّهم خَالِدُون فِيها أبَدًا، وظَاهِرُها أنَّه خُلُود لا انْقِطَاع لَه، والظُّهُور مِنْ الْمُرَجِّحَات، فَالظَّاهِر مُقَدَّم على الْمُجْمَل، كَمَا تَقَرَّر في الأصُول.

ومِنها: أنَّ (إِلَّا) في سُورة هُود بِمَعْنَى: "سِوى مَا شَاء الله مِنْ الزِّيَادَة على مُدَّة دَوَام السَّمَاوَات والأرْض".

وقال بَعض العلماء: إنَّ الاسْتِثْنَاء على ظَاهِرِه، وأنه يَأتي على النَّار زَمَان ليس فِيها أحَد … قال مُقَيِّدُه - عفا الله عنه -: الذي يَظْهَر لي - والله تعالى أعْلَم - أنَّ هَذه النَّار التي لا يَبْقَى فِيها أحَد، يَتَعَيَّن حَمْلِها على الطَّبَقَة التي كَان فِيها عُصَاة الْمُسْلِمِين، كَمَا جَزَم بِه البَغَوي في تَفْسِيرِه (١)؛ لأنه يَحْصُل بِه الْجَمْع بَيْن الأدِلَّة، وإعْمَال الدَّلِيلَين أَوْلَى مِنْ إلْغَاء أحَدِهِما، وقد أطْبَق العُلَمَاء على وُجُوب الْجَمْع إذا أمْكَن.

ثم ذَكَر مَا قِيل في فَنَاء النَّار، ثم قَال:

أمَّا فَنَاؤها فَقَد نَصَّ تَعالى على عَدَمِه بِقَوْلِه: (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) [الإسراء: ٩٧] وأمَّا مَوتُهم فَقد نَصّ تَعَالى عَلى عَدَمِه بِقَولِه: (لَا يُقْضَى عَلَيْهِم فَيَمُوتُوا) [فاطر: ٣٦]، وقوله: (لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى) [طه: ٧٤]، وقوله: (وَيَأْتِيْهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ) [إبراهيم: ١٧]، وقَد بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في الْحَدِيث الصَّحِيح أنَّ الْمَوْت يُجَاء بِه يَوْم القِيَامَة في صُورَة كَبْش أمْلَح فيُذْبَح، وإذا ذُبِح الْمَوْت حَصَل اليَقِين بأنَّه لا مَوْت، كَمَا قَال النبي صلى الله عليه وسلم: ويُقَال: "يَا أهْل الْجَنَّة خُلُود فَلا مَوْت، ويَا أهْل النَّار خُلُود فَلا مَوْت" (٢).


(١) معالم التنزيل، مرجع سابق (٢/ ٤٠٣)، وسبق نقل قول ابن عطية في ذلك.
(٢) رواه البخاري (ح ٤٤٥٣)، ومسلم (ح ٢٨٤٩)، وعند البخاري: ثم يقول: وعند مسلم: ثم يُقال.

<<  <   >  >>