للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ) [النساء: ١١]، أوْ كُتِبَ عَلى الْمُحْتَضَر أن يُوصِي للوَالِدَين والأقْرَبِين بِتَوفِير مَا أوْصَى بِه الله لَهُمْ عَليهم، وألا يُنْقَص مِنْ أنْصِبَائهم (١).

ورجّح ابن جُزي القَول بالنَّسْخ، فَقَال: (الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) كانت فَرْضًا قَبْل الْمِيرَاث، ثُمّ نَسَخَهَا آيَة الْمِيرَاث مَع قَوْلِه صَلى الله عليه وسلم: "لا وَصِيَّة لِوَارِث" وَبَقِيَتِ الوَصِيَّة مَنْدُوبَة لِمَنْ لا يَرِث مِنْ الأقْرَبين. وقِيل: مَعْنَاهَا الوَصِيَّة بِتَوْرِيث الوَالِدَين والأقْرَبِين عَلى حَسَب الفَرَائض، فلا تَعَارُض بَيْنَها وبَيْن الْمَوَارِيث ولا نَسْخ، والأوَّل أشْهَر (٢).

ونَقَل ابنُ كَثير عن ابن أبي حَاتم رِوايته عن ابنِ عباس في قَولِه: (الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) قال: نَسَخَتْها هَذه الآيَة: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) [النساء: ٧].

ثم قال ابن كثير: والعَجَب مِنْ أبي عبد الله محمد بن عمر الرازي رحمه الله كَيف حَكَى في تَفْسِيرِه الكَبير عَنْ أبي مُسْلِم الأصْفَهَاني أنَّ هَذه الآيَة غَير مَنْسُوخَة، وإنَّمَا هِي مُفسَّرَة بآيَة الْمَوَارِيث (٣).

ثم ذَكَر التَّفْصِيل في هَذه الْمَسْألَة، وخَرَّج الْمَسْألَة عَلى قَول مَنْ يَقُول: إنَّ الوَصِيَّة مَنْدُوب إِلَيْها في أوَّل الأمْر، وعَلى قَول مَنْ يَقول: كَانَتْ وَاجِبَة.

ثم قال: وهو الظَّاهِر مِنْ سِيَاق الآيَة، فَيَتَعَيَّن أن تَكُون مَنْسُوخَة بِآيَة الْمِيرَاث، كَمَا قَاله أكْثَر الْمُفَسِّرِين والْمُعْتَبَرين مِنْ الفُقَهاء (٤).


(١) الكشاف، مرجع سابق (ص ١١١)، والقول الأخير فيه ضعف، لأن غاية ما فيه تحصيل حَاصِل.
(٢) التسهيل لعلوم التنْزيل (١/ ٧١).
(٣) تفسير القرن العظيم (٢/ ١٦٨).
(٤) المرجع السابق (٢/ ١٦٨).

<<  <   >  >>