للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمَّا الرَّازي فإنه ذَكَر في الآيَة وَجْهَين، فَنَقَل الوَجْه الأول عن الأصمّ، وهو:

أنهم كانوا يُوصُون للأبْعَدِين طَلَبًا للفَخْر والشَّرف، ويَتْرُكون الأقارب في الفَقر والْمَسْكَنة، فأوْجَب الله تعالى في أوّل الإسلام الوَصِية لهؤلاء مَنْعًا للقوم عما كانوا اعتادوه؛ وهذا بَيِّن.

ونَقَل الوجه الثاني عن آخرين، وهو: أن إيجاب هذه الوَصية لَمَّا كان قبل آية المواريث جَعَل الله الْخِيار إلى الْمُوصِي في مَالِه، وألزمه ألا يتعدَّى في إخْرَاجه مَاله بعد مَوته عن الوالدان والأقربين، فيكون واصِلًا إليهم بِتَمْليكه واخْتياره، ولذلك لَمَّا نَزَلَت آية المواريث قال عليه الصلاة والسلام: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لِوَارِث (١).

فَبَيَّن أن ما تَقدم كان واصِلًا إليهم بعَطِية الْمُوصِي، فأما الآن فالله تعالى قَدَّر لكل ذي حق حقه، وأن عَطِية الله أوْلى مِنْ عَطية الْمُوصِي، وإذا كان كذلك فلا وَصية لوارث ألبتة؛ فعلى هذا الوجه كانت الوصية مِنْ قبل وَاجِبة للوالدين والأقربين (٢).

ومُقْتضى قَول الرازي، القَول بأن الآية مَنْسُوخة.

وقال الزمخشري: والوَصِيّة للوَارِث كَانَتْ في بَدْء الإسْلام، فنُسِخَتْ بِآيَة الْمَوَارِيث، وبِقَولِه عَليه الصلاة والسلام: "إنَّ اللهَ أعْطَى كُلّ ذِي حَقّ حَقَّه، ألَا لَا وَصِيَّة لِوارِث" (٣) وبِتَلَقِّي الأمّة إيَّاه بالقَبول حتى لَحِقَ بالْمُتَواتِر (٤).

ثم ذَكَر وَجْهًا آخَر في الْجَمْع بين الآيات، فقال: وقيل: لم تُنْسَخ، والوَارِث يُجْمَع لَه بَيْن الوَصيَّة والْمِيرَاث بِحُكْم الآيَتَين. وقِيل: مَا هي بِمُخَالِفة لآيةِ الْمَوَارِيث، مَعْنَاهَا: كُتِبَ عَلَيْكُم مَا أوْصَى بِه الله مِنْ تَورِيث الوَالِدين والأقْرَبِين مِنْ قَوله تَعالى


(١) سبق تَخْرِيجُه (ص ٤٧).
(٢) التفسير الكبير، مرجع سابق (٥/ ٥٢).
(٣) سبق تخْريجُه (ص ٤٧).
(٤) الكشاف (ص ١١١).

<<  <   >  >>