للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمَّا في تَفْسِير سُورة الأحْقَاف فَأطَال ابنُ جرير في ذِكْر عَدَد الْجِنّ الذين حَضَرُوا لاسْتِمَاع القُرْآن، وفي صِفة حُضُورِهم، وفي الْمَوْضِع الذي تَلا عَليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فِيه القُرْآن، ولَم يُشِر إلى مَسْألَة إيمانهم بموسى عليه الصلاة والسلام (١).

كَمَا لَم يَتَطَرَّق إلى مَا تَطَرَّق إليه القُرْطُبي في تَفْسِير آيَات سُورة "الرحمن"، وإنَّمَا اقْتَصَر عَلى قَوله: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ) [٣١]: سَنُحَاسِبُكم ونَأخُذ في أمْرِكُم أيُّها الإنْس والْجِنّ، فَنُعَاقِب أهْل الْمَعَاصِي، ونُثِيب أهْل الطَّاعَة (٢).

وأشَار في تَفْسِير آيَات سُورة الْجِنّ إلى أنَّ مِنْ الْجِنّ الْمُسْلِم والكَافِر (٣).

والثاني ابن كثير؛ فإنَّه نَصّ عَلى أنَّ "الرُّسُل مِنْ الإنْس فَقَط، وليس مِنْ الْجِنّ رُسُل، كَمَا قد نَصّ على ذلك مجاهد وابن جريج وغَير واحِد مِنْ الأئمَّة مِنْ السَّلَف والْخَلَف.

وقال ابن عباس: الرُّسُل مِنْ بَنِي آدَم، ومِن الْجِنّ نُذُر، وحَكى ابن جَرير عن الضحاك بن مزاحم أنه زَعم أن في الجن رُسُلًا، واحْتَجّ بِهَذِه الآيَة الكَرِيمة، وفيه نَظر؛ لأنها مُحْتَمَلَة ولَيْسَت بِصَرِيحة، وهي - والله أعْلم - كَقَولِه: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (١٩) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ) إلى أنْ قَال (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ)، ومَعْلُوم أنَّ اللؤلؤ والْمَرْجَان إنَّمَا يُسْتَخْرَجَان مِنْ الْمِلْح لا مِنْ الْحُلو، وهَذا وَاضِح ولله الحمد، وقد ذَكر هذا الْجَوَاب بِعَيْنِه ابنُ جرير، والدَّلِيل على أنَّ الرُّسُل إنَّمَا هُمْ مِنْ الإنْس قَوله تَعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) [النساء: ١٦٣] إلى قَوله: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء: ١٦٥]، وقَوله تَعالى عن إبْرَاهِيم: (وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) [العنكبوت: ٢٧]، فَحَصَر النُّبُوَّة والكِتَاب بَعْد إبراهيم في ذُرِّيَّتِه،


(١) انظر: جامع البيان، مرجع سابق (٢١/ ١٦٣ - ١٧٢).
(٢) المرجع السابق (٢٢/ ٢١٦)، وانظر: (٢٢/ ٢١٦ - ٢٢٣).
(٣) المرجع السابق (٢٣/ ٣٣٠ - ٣٣٤).

<<  <   >  >>