للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولَم يَقُل أحَد مِنْ النَّاس أنَّ النُّبُوَّة كَانَتْ في الْجِنّ قَبْل إبْرَاهيم الْخَلِيل، ثم انْقَطَعَتْ عنهم بِبِعْثَتِه، وقَال تَعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ) [الفرقان: ٢٠]، وقَال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى) [يوسف: ١٠٩]، ومَعْلُوم أنَّ الْجِنّ تَبَع للإنْس في هذا البَاب، ولهذا قَال تَعالى إخْبَارًا عنهم: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الأحقاف: ٢٩ - ٣٢] … وقَال تَعالى في هَذه الآيَة الكَرِيمة: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا)، أي: أقْرَرْنَا أنَّ الرُّسُل قد بَلَّغُونَا رِسَالاتِك، وأنْذَرُونا لِقَاءك، وأنَّ هذا اليَوم كَائِن لا مَحَالَة (١).

فابْنُ كَثيرٍ في هذا الْمَوْضِع حَشَد مِنْ الآيَات مَا يَسْتَدِلّ بِه على القَوْل الذي اخْتَارَه وفي تَفْسِير آيَات "الأحقاف" قَال في قَوله تَعالى: (وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ): أي: رَجَعُوا إلى قَوْمِهم فَأَنْذَرُوهم مَا سَمِعُوه مِنْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، كَقَولِه جَلَّ وعَلا: (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة: ١٢٢]، وقد اسْتُدِلّ بِهَذِه الآيَة على أنَّه في الْجِنّ نُذُر، ولَيس فِيهم رُسُل، ولا شَكَّ أنَّ الْجِنّ لَم يَبْعَث الله تَعالى مِنهم رَسُولًا (٢).

ثم أوْرَد الآيَات التي أوْرَدها في تَفْسِير آيَة الأنعام مُسْتَدِلًّا بِهَا على ذلك، ثم قَال: (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى): ولم يَذْكُرُوا عِيسى؛ لأنَّ عِيسى عليه


(١) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (٦/ ١٧٥، ١٧٦).
(٢) المرجع السابق (١٣/ ٥٣).

<<  <   >  >>