للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السلام أُنْزِل عَليه الإنْجِيل فِيه مَوَاعِظ وتَرْقِيقَات وقَلِيل مِنْ التَّحْلِيل والتَّحْرِيم، وهو في الْحَقِيقَة كَالْمُتَمِّم لِشَرِيعَة التَّوْرَاة، فَالْعُمْدَة هُو التَّوْرَاة، فَلِهَذا قَالُوا: (أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى)، وهكذا قَال وَرَقة بن نَوفل حِين أخْبَرَه النبي صلى الله عليه وسلم بِقِصّة نُزُول جِبْرِيل عليه الصلاة والسلام أوَّل مَرَّة، فَقَال: بَخٍ بَخٍ! هَذَا النَّامُوس الذي كَان يَأتي مُوسَى (١).

كَمَا قَال ابن كثير بَعد ذلك: (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ) فِيه دَلالة على أنَّه تَعالى أَرْسَل محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى الثَّقَلَين الْجِنّ والإنْس حَيْث دَعَاهم إلى الله تَعالى، وقَرَأ عَليهم السُّورة التي فِيها خِطَاب الفَرِيقَين، وتَكْلِيفُهم ووَعْدُهم ووَعِيدُهم، وهي سُورَة الرَّحْمَن (٢)، ولِهَذا قَال: (أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ).

وقَوله تَعالى: (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكْمْ) قِيل: إنَّ (مِنْ) هاهنا زَائدَة، وفِيه نَظَر، لأنَّ زِيَادَتها في الإثْبَات قَلِيل. وقيل: إنَّهَا على بَابِها للتَّبْعِيض. (وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) أي: ويَقِيكُم مِنْ عَذَابِه الألِيم، وقَد اسْتَدَلّ بِهَذه الآيَة مَنْ ذَهَب مِنْ العُلَمَاء إلى أنَّ الْجِنّ الْمُؤمِنِين لا يَدْخُلُون الْجَنَّة، وإنَّمَا جَزَاء صَالِحِيهم أن يُجَارُوا مِنْ عَذَاب النَّار يَوم القِيامة، ولِهذا قَالوا هذا في هذا الْمَقَام، وهو مَقَام تَبَجّح (٣) ومُبَالَغَة، فَلو كَان لَهم جَزَاء على الإيمان أعْلى مِنْ هذا لأوْشَك أن يَذْكُرُوه … والْحَقّ أنَّ مُؤمِنِيهم كَمُؤمِنِي الإنْس يَدْخُلُون الْجَنَّة، كَمَا هو مَذْهَب مِنْ السَّلَف، وقد اسْتَدَلّ بَعْضُهم لِهَذا


(١) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (١٣/ ٥٣)، والحديث الذي ذَكَره رواه البخاري (ح ٣)، ومسلم (ح ١٦٠)، وليس فيه "بخ بخ".
(٢) قصة قراءته صلى الله عليه وسلم سورة "الرحمن" على الْجِنّ. رواها الترمذي (ح ٣٢٩١)، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد. قال ابن حنبل: كأن زهير بن محمد الذي وقع بالشام ليس هو الذي يُروى عنه بالعراق، كأنه رجل آخر قلبوا اسمه يعني: لما يروون عنه من المناكير. وسمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: أهل الشام يروون عن زهير بن محمد مناكير، وأهل العراق يروون عنه أحاديث مقاربة، والحديث حسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (٥/ ١٨٣).
(٣) في اللسان (٢/ ٤٠٥، ٤٠٦): البجح: الفرح. بجح بجحًا، وبجح يبجح وابتجح: فرح .... وفي حديث أم زرع: وبجحني فبجحت، أي: فرحني ففرحت.

<<  <   >  >>