للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

و"قَوله تَعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) أي: لَنَسْألَنّ هَؤلاء الذِين جَرَى ذِكْرُهم عَمَّا عَمِلُوا في الدُّنيا. وفي البخاري (١): وقال عِدَّة مِنْ أهْل العِلْم في قَوله: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) عَنْ لا إله إلا الله" (٢).

وخَلَص إلى القَوْل بِأنَّ "الآيَة بِعُمُومِها تَدُلّ على سُؤَال الْجَمِيع ومُحَاسَبَتِهم كَافِرِهم ومُؤمِنهم إلَّا مَنْ دَخَل الْجَنَّة بِغَيْر حِسَاب".

ثم تَسَاءَل القرطبي فقال:

فإن قِيل: وهَل يُسْأل الكَافِر ويُحَاسَب؟

قُلنا: فِيه خِلاف … والذي يَظْهَر سُؤَاله للآيَة، وقَوله: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ)، وقَوله: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) [الغاشية: ٢٥، ٢٦].

فإن قِيل: فَقَد قَال تَعالى: (وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)، وقَال: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ)، وقَال: (وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ) [البقرة: ١٧٤]، [آل عمران: ٧٧]، وقَال: (إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [المطففين: ١٥].

قُلْنَا: القِيَامَة مَوَاطِن؛ فَمَوطِن يَكُون فِيه سُؤَال وَكَلام، ومَوْطِن لا يَكُون ذَلك فيه.

قال عكرمة: القِيَامَة مَواطن يُسْأل في بَعْضِها، ولا يُسْأل في بَعْضِها.

وقال ابن عباس: لا يَسْألُهم سُؤَال اسْتِخْبَار واسْتِعْلام: هَلْ عَمِلْتُم كَذا وكَذا؟ لأنَّ الله عَالِم بِكُلّ شَيء، ولكن يَسْألُهم سُؤَال تَقْرِيع وتَوْبِيخ، فَيَقُول لهم: لِمَ عَصَيتُم القُرْآن؟ ومَا حُجَّتُكم فِيه؟

وقِيل: (لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) يَعْنِي: الْمُؤمِنِين الْمُكَلَّفِين، بَيانُه قَوله تَعالى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التكاثر: ٨].


(١) (١/ ١٨).
(٢) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٠/ ٥٥) بتصرف يسير.

<<  <   >  >>