للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقَوْل بِالعُمُوم أوْلى كَمَا ذُكِر. والله أعلم" (١).

وذَكَر في آيَة "الأحزاب" أرْبَعَة أقْوَال، فَقَال: قَوله تَعالى: (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) فِيه أرْبَعَة أوْجُه:

أحَدها: لِيَسْأل الأنْبياء عن تَبْلِيغِهم الرِّسَالَة إلى قَوْمِهم، حَكاه النقاش، وفي هذا تَنْبِيه، أي: إذا كَان الأنْبياء يُسْأَلُون فَكَيف مَنْ سِوَاهُم؟

الثَّاني: لِيَسْأل الأنْبياء عَمَّا أجَابَهم بِه قَوْمُهم، حَكاه علي بن عيسى.

الثَّالث: لِيَسْأل الأنْبياء عليهم السلام عن الوَفَاء بِالْمِيثَاق الذي أخَذَه عَليهم، حَكاه ابن شجرة.

الرَّابع: لِيَسْأل الأفْوَاه الصَّادِقَة عن القُلُوبِ الْمُخْلِصَة. وفي التَّنْزِيل: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ).

وقيل: فَائدة سُؤَالِهم تَوْبِيخ الكُفَّار، كَمَا قَال تَعالى: (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) [المائدة: ١١٦] (٢).

وفي آيَة "القصص" قَال القرطبي: (وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)، أي: لا يُسْألون سُؤَال اسْتِعْتَاب، كَمَا قَال: (وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) [النحل: ٨٤]، [الروم: ٥٧]، [الجاثية: ٣٥]، (فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) [فصلت: ٢٤]، وإنَّمَا يُسْألُون سُؤَال تَقْرِيع وتَوْبِيخ، لِقَولِه: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)، قَالَه الحسن. وقَال مجاهد: لا تَسْأل الْمَلائكَة غَدًا عن الْمُجْرِمِين، فإنَّهم يُعْرَفُون بِسيمَاهُم، فإنَّهُم يُحْشَرون سُود الوُجُوه، زُرْق العُيُون. وقال قتادة: لا يُسْأل الْمُجْرِمُون عن ذُنُوبِهم لِظُهُورِها وكَثْرَتِها، بَلْ يَدْخُلُون النَّار بِلا حِسَاب (٣).


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٠/ ٥٧).
(٢) المرجع السابق (١٤/ ١١٦).
(٣) وهذا بعيد؛ لِمَا جاء في الكتاب والسنة من تأكيد محاسبتهم، فمن ذلك: إشهاد أعضائهم عليهم، وإقامة الحجج على ما عملوه، وأن من نوقش الحساب عذب، وقد تقدم تخريج الحديث في ذلك. وسيأتي مزيد بيان.

<<  <   >  >>