للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقِيل: لا يُسْأل مُجْرِمُو هَذه الأمَّة عن ذُنُوب الأُمَم الْخَالِيَة الذِين عُذِّبُوا في الدُّنيا.

وقِيل: أهْلَك مَنْ أهْلَك مِنْ القُرُون عن عِلْم مِنه بِذُنُوبِهم، فَلَم يَحْتَج إلى مَسْألَتِهم عن ذُنُوبِهم (١).

وَيَقُول في تَفْسِير سُورَة "الرحمن": قَوله تَعالى: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ)، هذا مِثْل قَوله تَعالى: (وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)، وأنَّ القِيَامَة مَوَاطِن لِطُول ذَلك اليَوم، فيُسْأل في بَعْض ولا يُسْأل في بَعْض، وهذا قول عكرمة.

وقيل: الْمَعْنَى: لا يُسْألون إذا اسْتَقَرُّوا في النَّار.

وقال الحسن وقتادة: لا يُسْألُون عن ذُنُوبِهم، لأنَّ الله حَفِظَها عَليهم، وكَتَبْتَها عَليهم الْمَلائكَة. رواه العوفي عن ابن عباس.

وعن الحسن ومجاهد أيضًا: الْمَعْنَى: لا تَسْأل الْمَلائكَة عَنهم، لأنَّهم يَعْرِفُونَهم بِسِيمَاهُم، دَلِيلُهم مَا بَعْده (٢). وقال مجاهد عن ابن عباس، وعنه أيضًا في قَوله تَعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)، وقَوله: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ)، وقَال: لا يَسْألُهم ليَعْرِف ذلك مِنهم، لأنَّه أعْلَم بِذلك مِنهم، ولَكِنَّه يَسْألُهُم لِمَ عَمِلْتُمُوها؟ سُؤَال تَوْبِيخ.

وقال أبو العالية: لا يُسْأل غَير الْمُجْرِم عن ذَنْب الْمُجْرِم.

وقال قتادة: كَانَتْ الْمَسْألَة قَبْل ثم خُتِم على أفْوَاه القَوم وتَكَلَّمَت الْجَوَارِح شَاهِدَة عليهم.

وفي حَدِيث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم - وفيه - قال: فَيَلْقَى العَبْد، فَيَقُول: أي قُلْ! ألَم أُكْرِمك وأسَوِّدك وأزَوِّجك، وأُسَخِّر لك الْخَيْل والإِبل، وأذَرَك تَرأس وتَرْبَع؟ فَيَقُول: بَلى. فَيَقُول: أفَظَنَنْتَ أنَّك مُلاقِيّ؟ فَيَقُول: لا، فَيَقُول: إني أنْسَاك كَمَا نَسِيتَنِي، ثم يَلْقَى الثَّاني فَيَقُول لَه مِثْل ذَلك بِعَيْنِه، ثم يَلْقَى الثَّالث فَيَقُول له مِثْل ذَلك، فَيَقُول: يَا رَبّ آمَنْتُ بِك وبِكِتَابِك وبِرَسُولك، وصَلَّيتُ وصُمْتُ


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٣/ ٢٨٠).
(٢) يَعني قوله تعالى: (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ) [الرحمن: ٤١].

<<  <   >  >>