للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقَال آخَرُون: ونُقِل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قَوله: لَو شِئنَا لاتَّخَذْنا صِلاء (١) وصَلائق (٢) وصِنَابًا (٣)، ولكني سَمِعْتُ الله تعالى يَذُم أقْوَامًا فَقَال: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا).

وفَرَّق آخَرُون بَيْن حُضُور ذلك كُلّه بِكُلْفَة وبِغَير كُلْفَة. قال أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي شيخ أشياخنا: وهو الصحيح - إن شاء الله عَزَّ وَجَلَّ، فإنه لَم يُنْقَل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه امْتَنَع مِنْ طَعام لأجْل طِيبِه قَطّ، بل كَان يَأكُل الْحَلْوى والعَسَل، والبطِّيخ والرُّطَب، وإنما يُكْرَه التَّكَلُّف لِمَا فيه مِنْ التَّشَاغُل بِشَهَوَات الدُّنيا عن مُهِمَّات الآخِرة. والله تعالى أعلم (٤).

قَوله تَعالى: (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) يَعني بِحَقِّها مِنْ تَوْحِيد الله تَعالى والتَّصْدِيق له، فإنَّ الله يُنْعِم ويَرْزُق، فإنْ وَحَّدَه الْمُنْعَم عليه وصَدَّقَه فَقد قَام بِحَقّ النِّعْمَة، وإنْ كَفَر فقد أمْكَن الشَّيْطَان مِنْ نَفْسِه.

وقال: (خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أي: يُخْلِص الله الطَّيِّبَات في الآخِرَة للذِين آمَنُوا، وليس للمُشْرِكين فِيها شَيء كَمَا كَان لهم في الدُّنيا مِنْ الاشْتِرَاك فِيها. ومَجَاز الآيَة (٥): قُلْ هي للذِين آمَنُوا مُشْتَرَكَة في الدُّنيا مَع غيرهم، وهي للمُؤمِنين خَالِصَة يَوْم القِيَامَة.


(١) فسره القرطبي بأنه "الشواء" الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٧/ ١٧٨).
(٢) في اللسان (١٠/ ١٩٧): الصَّرِيقة: الرقاقة عن ابن الأعرابي، والمعروف الصَّلِيقة، ويجمع على صرائق وصرق وصروق وصريق، عن الفراء، والعامة تقول باللام وهو بالراء، وأصله في "غريب الحديث"، ابن الجوزي (١/ ٥٨٧).
(٣) في اللسان (١/ ٥٣١): الصِّناب: صباغ يتخذ من الخردل والزبيب … وهو صباغ يؤتدم به.
(٤) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٧/ ١٧٨).
(٥) يعني معناها. قال ابن تيمية (مجموع الفتاوى ٧/ ٨٩): وأول من عرف أنه تكلم بلفظ المجاز أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه، ولكن لم يعن بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة، وإنما عنى بمجاز الآية ما يعبر به عن الآية. اهـ.
أما المجاز الذي هو مقابلة الحقيقة مع احتمال الصدق والكذب في الخبر؛ فهذا محال في القرآن، ينظر لذلك: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (٧/ ٨٨ وما بعدها)، (١٢/ ٢٧٧)، و"الإيمان" له (٦٣ - ٨٦)، =

<<  <   >  >>