للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقِيل: الْمَعْنَى: أنَّ هَذه الطَّيِّبَات الْمَوْجُودَات في الدُّنيا هي خَالِصَة يَوْم القِيَامَة للمُؤمِنين في الدُّنيا، وخُلُوصُها أنَّهم لا يُعَاقَبُون عَليها ولا يُعَذَّبُون (١).

ويَرَى القرطبي أنَّ قَوله تَعالى: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا) [المائدة: ٩٣] "نَظِير قَوله تَعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ) [المائدة: ٨٧] ونَظِير قَوله: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) " (٢).

وفي آيَة "الأحقاف" ذَكَر مَعْنَى (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ)، والقِرَاءات في (أَذْهَبْتُمْ)، وأنَّ الْمَقْصُود مِنه التَّوْبِيخ، وبَيَّن أنَّ "العَرَب تُوَبِّخ بالاسْتِفْهَام وبِغَير الاسْتِفْهَام"، ورَجَّح تَرْك الاسْتِفْهَام في الآيَة.

و"مَعْنَى (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ) أي: تَمَتَّعْتُم بِالطَّيِّبَات في الدُّنيا، واتَّبَعْتُم الشَّهَوات واللذَّات؛ يَعْنِي: الْمَعَاصِي. (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ) أي: عَذَاب الْخِزْي والفَضِيحَة.

قال مجاهد: الْهُون الْهَوان (٣). قَتادة: بِلُغَة قُرَيش. (بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) أي: تَسْتَعْلُون على أهْلِها بِغَير اسْتِحْقَاق. (وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) في أفْعَالِكم بَغْيًا وظُلْمًا.

وقِيل: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ) أي: أفْنَيتُم شَبَابَكُم في الكُفْر والْمَعَاصِي" (٤).


(١) ومحاسن التأويل، القاسمي (١/ ١٥٤ وما بعدها)، و"منع المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز"، الشنقيطي، ملحق بتفسيره "أضواء البيان"، و"نشأة الأهواء والافتراق والبدع"، ناصر العقل (ص ٧٩ وما بعدها).
() الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٧/ ١٧٩) باختصار.
(٢) المرجع السابق (٦/ ٢٧٦).
(٣) قال البخاري (الصحيح ١/ ٤٦١) في قوله تعالى: (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ) [الأنعام: ٩٣]: الْهُونِ: هو الهوان، والهون: الرفق.
(٤) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٦/ ١٧١).

<<  <   >  >>