للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"قال الْحَسن: فَمَا أكْثَر الرَّاغِبِين عن سُنَّتِه، التَّارِكِين لها، ثم إن عُلُوجًا فُسَّاقًا أَكَلَة الرِّبا والغُلُول، قد سفَّهَهم (١) رَبِّي ومَقَتَهم، زَعَمُوا أنه لا بَأس عليهم فِيمَا أَكَلُوا وشَرِبُوا، وسَتَرُوا البُيُوت وزَخْرَفُوها، ويَقُولُون: (مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)، ويَذْهَبُون بِها إلى غَير مَا ذَهَب الله بِها إليه، إنَّمَا جَعَل الله ذَلك لأوْلِياء الشَّيْطَان؛ الزِّينَة مَا رَكِب ظَهْرَه، والطَّيِّبَات مَا جَعَل الله تَعالى في بُطُونِها، فَيَعْمَد أحَدُهم إلى نِعْمَة الله عليه فيَجْعَلها مَلاعِب لِبَطْنِه وفَرْجِه وظَهْرِه! ولو شَاء الله إذا أعْطَى العِبَاد مَا أعْطَاهم أبَاح ذلك لهم، ولكن تَعَقَّبَها بِمَا يَسْمَعُون: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف: ٣١]، فمن أخَذ نِعْمَة الله وطُعْمَته أكَل بِها هَنِيئًا مَرِيئًا، ومَن جَعَلَها مَلاعِب لِبَطْنِه وفَرْجِه وعلى ظَهْرِه، جَعَلَها وَبَالًا يَوْم القِيَامَة" (٢).

ونَظِير هَذه الآيَة قَوله تَعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا) [المائدة: ٨٧، ٨٨]، ورَوى الترمذي (٣) والطبراني (٤) مِنْ حَدِيث ابن عباس أنَّ رَجُلًا أتَى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسول الله إني إذا أَصَبْتُ اللحْم انْتَشَرْتُ للنِّسَاء، وأخَذَتْنِي شَهْوتِي، فَحَرَّمْتُ عَليَّ اللحْم، فأنْزَل الله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا).

فَفِي هذه الآيَة نَهَى الله عن تَحْرِيم مَا أحَلّ، وأمَر - أمْر إبَاحَة - بِأكْل الطَّيِّبَات.

وأمَّا الْمَذْمُوم فهو تَرْك الشُّكْر، والاسْتِعَانَة بالنِّعَم على الْمَعَاصِي، وتَحْرِيم مَا أحَلّه الله، افْتِرَاء على الله. ومِنه قَوله تَعالى: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا


(١) في الحلية (٢/ ١٥٣): "قد شغلهم ربي عز وجل" والمثبت من "جامع البيان".
(٢) حلية الأولياء، مرجع سابق (٢/ ١٥٤)، و"جامع البيان"، مرجع سابق (١٠/ ١٥٨) مختصرًا.
(٣) (ح ٣٠٥٤) وقال: هذا حديث حسن غريبٌ. وقال الألباني (صحيح الترمذي): صحيح.
(٤) (ح ١١٨١٢).

<<  <   >  >>