فهم قد عَمدُوا إلى مَا أحَلّه الله لهم فَحَرَّمُوا بَعضه على بَعْضهم، وأبَاحُوه لِمن شَاءُوا؛ وهذا كُلّه مُنَازَعة لله في أمْرٍ اخْتَصّ به؛ وهو التَّشْرِيع، وفي سِيَاق عَيْب ذلك عليهم قَال تَعالى:(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)[الشورى: ٢١].
قال ابن تيمية: فَمَنْ حَرَّم الطَّيِّبَات عليه وامْتَنَع مِنْ أكْلِها بدُون سَبَب شَرْعِيّ فهو مَذمُوم مُبْتَدِع دَاخِل في قَوْلِه: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ)[المائدة: ٨٧]، ومَن أكَلَها بِدُون الشُّكْر الوَاجِب فِيها فَهو مَذمُوم، قال الله تعالى:(ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)[التكاثر: ٨] أي: شُكْر النَّعِيم … وكذلك الإسْرَاف في الأكْل مَذْمُوم، وهو مُجَاوَزَة الْحَدّ، ومَن أكَل بِنِيَّة الاسْتِعَانَة على عِبادَة كان مَأجُورًا على ذلك (١).
ومِمَّا يَدُلّ على أنَّ الذَّمّ في آيَة "الأحقاف" في حَقّ مَنْ أكَل الطَّيِّبَات دُون شُكْرها وما يتَرتَّب على ذلك من الاستِكْبَار والفِسْق؛ ما خُتِمَتْ به الآية:(فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ).
وثَمَّة أمْر آخَر في آيَة "الأحقاف"، وهو أنَّ الكَافِر يُطْعَم بِحَسَنَاتِه التي عَمِلها في الدُّنيا فَيُوَافِي يَوْم القِيَامَة مُفْلِسًا مُذْهِبًا لِحَسَنَاته، كَمَا في الْحَدِيث: "إنَّ الله لا يَظْلِم مُؤمِنًا حَسَنة يُعْطَى بِها في الدُّنيا ويُجْزَى بِها في الآخِرَة، وأمَّا الكَافِر فيُطْعَم بِحَسَنات مَا