للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأوَّل: إنه لَيس في ذِكْر التَّقْوى تِكْرَار، والْمَعْنَى: اتَّقَوا شُرْبَها وآمَنُوا بِتَحْرِيمِها، والْمَعْنَى الثَّاني (١): دَام اتِّقَاؤهم وإيمانُهم. والثَّالث (٢): على مَعْنَى الإحْسَان إلى الاتِّقَاء.

والثَّاني: اتَّقَوا قَبل التَّحْرِيم في غَيرها مِنْ الْمُحَرَّمَات، ثم اتَّقَوا بَعْد تَحْرِيمها شُرْبها، ثم اتَّقَوا فِيما بَقِي مِنْ أعْمَالِهم وأحْسَنُوا العَمَل.

الثَّالث: اتَّقَوا الشِّرْك وآمَنُوا بِالله ورَسُولِه، والْمَعْنَى الثَّاني: ثم اتقوا الكبائر، وازْدَادُوا إيمانًا، ومَعْنَى الثَّالث: ثم اتَّقَوا الصَّغَائر وأحْسَنُوا، أي: تَنَفَّلُوا.

وقال محمد بن جرير (٣): الاتِّقَاء الأوَّل (٤) هو الاتِّقَاء بِتَلَقِّي أمْر الله بِالقَبُول والتَّصْدِيق والدَّيْنُونَة به والعَمَل، والاتِّقَاء الثَّاني الاتِّقاء بالثَّبَات على التَّصْدِيق، والثَّالث الاتِّقَاء بِالإحْسَان والتَّقَرُّب بِالنَّوافِل.

ثم ذَكَر القرطبي قِصَّة تأوُّل قُدامة بن مظعون رضي الله عنه، كَمَا ذَكَر قَول ابن عباس في الآيَة الثانية: إنَّ هَؤلاء الآيات أُنْزِلْنَ عُذْرًا لِمَنْ غَبَر، وحُجَّة على النَّاس، لأنَّ الله تَعَالى يَقُول: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) [المائدة: ٩٠] الآية، ثم قَرأ حَتى أنْفَذ الآيَة الأُخْرَى، فإن كان مِنْ الذِين آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَات، فإنَّ الله قد نَهَاه أن يَشْرَب الْخَمْر (٥).

وأوْرَد القرطبي مَا ذَكَرَه الكِيا الطَّبري مِمَّا "رُوي عن عليّ رضي الله عنه أنّ قَومًا شَرِبُوا بِالشَّام وقَالُوا: هي لَنا حَلال، وتأوّلُوا هَذه الآيَة. فأجْمَع عليّ وعُمر عَلَى أن يُسْتَتَابُوا، فإن تَابُوا وإلَّا قُتِلُوا (٦) " (٧).


(١) للتقوى في الموضع الثاني.
(٢) أي: لذكر التقوى وتكرارها في الآية، فهي قد تكررت في الآية ثلاث مرات.
(٣) جامع البيان، مرجع سابق (٨/ ٦٦٥). وفيه: والاتقاء الثالث هو الاتقاء بالإحسان، والتقرب بنوافل الأعمال.
(٤) هو قوله: (إِذَا مَا اتَّقُوا).
(٥) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٦/ ٢٧٦، ٢٧٧).
(٦) رواه مطولًا: ابن أبي شيبة (ح ٢٨٤٠٩)، وعزوه إلى ابن أبي شيبة أولى.
(٧) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٦/ ٢٧٨).

<<  <   >  >>