للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان القرطبي ذَكَر في أوَّل تَفْسِير الآيَة قول "ابن عباس (١) والبراء بن عازب (٢) وأنس بن مالك (٣) أنه لَمَّا نَزَل تَحْرِيم الْخَمْر قَال قَوْم مِنْ الصَّحَابَة: كَيف بِمَنْ مَات مِنَّا وهو يَشْرَبها ويَأكل الْمَيْسِر، ونحو هذا؟ فَنَزَلَتْ الآيَة.

وأوْرَد ما رَواه البخاري (٤) عن أنس قال: كُنْت سَاقِي القَوْم في مَنْزِل أبي طَلحة فَنَزَل تَحْرِيم الْخَمْر، فأمَر مُنَادِيًا يُنَادِي (٥)، فقال أبو طلحة: أُخْرُج فانْظُر مَا هَذا الصَّوْت. قال: فَخَرَجْتُ فَقُلْتُ: هذا مُنادٍ يُنَادِي: ألَا إنَّ الْخَمْر قد حُرِّمَتْ. فَقَال: اذْهَب فأهْرِقْها - وكان الْخَمْر مِنْ الفَضِيخ (٦) - قال: فَجَرَتْ في سِكَكِ الْمَدِينَة، فَقَال بَعْض القَوْم: قُتِل قَوْم وهي في بُطُونِهم، فأنْزَل الله عَزَّ وَجَلَّ: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا) الآيَة".

و"هَذه الآيَة وهَذا الْحَدِيث نَظِير سُؤَالِهم عَمَّن مَات إلى القِبْلَة الأُولى فَنَزَلَتْ: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانُكُمْ) [البقرة: ١٤٣] (٧)، ومَن فَعَل مَا أُبِيح له حَتى مَات على فِعْلِه لَم يَكُنْ لَه ولا عَليه شَيء، لا إثْم ولا مُؤَاخَذَة، ولا ذَمَّ ولا أجْر ولا مَدْح؛ لأنَّ الْمُبَاح مُسْتَوى الطَّرَفِين بِالنِّسْبَة إلى الشَّرْع" (٨).


(١) رواه أحمد (ح ٢٤٥٢)، والترمذي (ح ٣٠٥٢) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال محققو المسند: صحيح لغيره.
(٢) رواه الترمذي (ح ٣٠٥٠) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(٣) هو الحديث الآتي.
(٤) (ح ٢٣٣٢)، ورواه مسلم (ح ١٩٨٠).
(٥) في رواية للبخاري: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديًا ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت. وفي روايةٍ لمسلمٍ: فإذا منادٍ ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت.
(٦) "هو البسر يشدخ ويفضخ ويلقى عليه الماء لتسرع شدته" (مشارق الأنوار، القاضي عياض ٢/ ١٦٠).
(٧) رواه البخاري (ح ٤٢١٦) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.
(٨) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٦/ ٢٧٣، ٢٧٤).

<<  <   >  >>