للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنه يُؤَاخَذ بِذلك، ومِنه قَوله صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ عَبْد يَسْتَرْعِيه الله رَعِيّة يَمُوت يوم يَمُوت وهو غَاشّ لِرَعِيَّتِه إلَّا حَرَّم الله عليه الْجَنَّة (١).

وفي رواية: ما مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيه الله رَعِيَّة فلم يُحْطِها بِنُصْحِه إلَّا لَم يَجِد رَائحَة الْجَنَّة (٢).

ألا تَرَى أنَّ الإنْسَان يُعذَّب إذا نَاح عَليه أهْلُه، إذا كَان النَّوْح مِنْ عَادَتِهم، وكان يَرَاهُم في الدُّنيا ولا يُنكِر عَليهم؟

وتَحَمَّل قَابِيل جُزْءًا مِنْ كُلّ دَمٍ يُسْفَك؛ لأنه أوَّل مَنْ سَنَّ القَتْل (٣).

قال البخاري: باب قَول النبي صلى الله عليه وسلم: "يُعَذَّب الْمَيت بِبَعْض بُكَاء أهْلِه عليه" إذا كان النَّوْح مِنْ سُنَّتِه، لِقَول الله تَعَالى: (قُوْا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) [التحريم: ٦]، وقَال النبي صلى الله عليه وسلم: "كُلُّكُم رَاعٍ ومَسؤول عن رَعِيَّتِه" فإذا لم يَكُنْ مِنْ سُنَّتِه فَهو كَمَا قَالتْ عَائشَة رَضي الله عَنها: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [الأنعام: ١٦٤]، [الإسراء: ١٥] (٤)، وهو كَقَولِه: (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ) ذُنُوبًا (إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ)، ومَا يُرَخَّص مِنْ البُكاء في غَير نَوْح، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تُقْتَل نَفْس ظُلْمًا إلَّا كان على ابنِ آدَم الأوَّل كِفْل مِنْ دَمِها؛ وذلك لأنه أوَّل مَنْ سَنَّ القَتْل (٥).


(١) رواه البخاري (ح ٦٧٣٢)، ومسلم (ح ١٤٢).
(٢) هي رواية للبخاري (ح ٦٧٣١).
(٣) الحديث الوارد فيه: رواه البخاري (ح ٣١٥٧)، ومسلم (ح ١٦٧٧).
(٤) أي: مثل استدلال عائشة رضي الله عنها، فإنها قد استدلت بهذه الآية على تخصيص تعذيب الميت ببكاء الحي بالكافر. وينظر لذلك: صحيح البخاري (ح ١٢٢٦)، ومسلم (ح ٩٢٧)، وفتح الباري، ابن حجر، مرجع سابق (٣/ ١٥٢ وما بعدها)، و"الإجابة فيما استدركته عائشة على الصحابة"، الزركشي. وفي كشف الظنون حاجي خليفة (٢/ ١١٨١): عين الإصابة فيما استدركته عائشة على الصحابة، لجلال الدين السيوطي.
(٥) صحيح البخاري (١/ ٤٣١).

<<  <   >  >>