للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو يَنقُل عن ابن عبد البر حِكَايته للإجْمَاع ويُوَافِقه، وقد يُخَالِفه في دَعْوى الإجْمَاع.

يقول القرطبي: أجْمَعَ الْمُسْلِمُون - فِيمَا ذَكَرَ ابن عبد البر أنَّ الْمُنْكَر وَاجِب تَغْيِيره على كُلّ مَنْ قَدَر عَليه، وأنه إذا لم يَلْحَقه بِتَغْييره إلَّا اللَّوم الذي لا يَتَعَدَّى إلى الأذَى فإنَّ ذلك لا يَجِب أن يَمْنَعه مِنْ تَغْييره، فإن لم يَقدِر فَبِلِسَانِه، فإن لم يَقْدِر فَبِقَلْبِه ليس عليه أكْثر من ذلك، وإذا أنْكر بِقَلْبِه فقد أدَّى مَا عليه إذا لم يَسْتَطِع سِوى ذلك.

قال: والأحَادِيث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تَأكِيد الأمْر بِالْمَعْرُوف والنَّهْي عن الْمُنْكَر كَثِيرَة جِدًّا، ولكِنَّها مُقَيَّدَة بِالاسْتِطَاعَة … وزَعَم ابن العربي أنّ مَنْ رَجَا زَوَاله وخَاف على نَفْسِه مِنْ تَغْييره الضَّرْب أوْ القَتْل جَازَ لَه عند أكْثَر العُلَمَاء الاقْتِحَام عند هذا الغَرَر، وإن لَم يَرْجُ زَوَاله فأيّ فَائدة عِنده؟ قال: والذي عِندي أنَّ النِّيَّة إذا خَلَصَتْ فَلْيَقْتَحِم كَيف مَا كان ولا يُبَالي. قلت: هذا خِلاف مَا ذَكَره أبو عُمر مِنْ الإجْمَاع، وهَذه الآيَة (١) تَدُلّ على جَوَاز الأمْر بِالْمَعْرُوف والنَّهْي عن الْمُنْكَر مَع خَوْف القَتْل. وقَال تَعالى: (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ) [لقمان: ١٧]، وهَذا إشَارَة إلى الإذَايَة (٢).

ومِن ذلك أيضًا قَوله:

وقد ذَكَر أبو عُمر بن عبد البر الإجْمَاع في أنَّ سُورَة الأنعام مَكِّيَة إلَّا قَوله تَعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) [الأنعام: ١٥١] الثَّلاث الآيَات، وقد نَزَل بَعدَها قُرآن كَثير وسُنَن جَمَّة (٣).

فالقرطبي يَعضُد أبْحَاثه بِأقْوَال الأئمَّة مِنْ قَبلِه.


(١) يقصد الآية ذات الرقم (٢١) مِنْ سُورة آل عمران.
(٢) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٤/ ٥١، ٥٢) باختصار. وهذا البحث في تفسير قوله تعالى: (وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ) [آل عمران: ٢١].
(٣) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٧/ ١٠٣، ١٠٤).

<<  <   >  >>