للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومِثْله في مَعْنَى (الواو) في قَوله تَعالى: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا) [البقرة: ١٠٠]، فإنه نَقَل أقْوَال أئمَّة اللغَة، ثم نقَل عن ابن عطية قَوله: وهذا كُلّه مُتَكَلَّف، والصَّحِيح قَوْل سِيبويه (١).

وتَأثَّر القرطبي بِبَعْض تَأوِيلات ابن عطية، فمن ذلك مُوَافَقَة القرطبي لابن عطية ومُتَابَعَته لَه في تَأوِيل بَعْض الصِّفَات، فَمِنْ ذلك:

تَأوِيل صِفَة الوَجْه لله سُبحانه وتَعالى، حيث قَال في قَوله تَعالى: (فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) [البقرة: ١١٥]: اخْتَلَف النَّاس في تَأويل الوَجْه الْمُضَاف إلى الله تَعالى في القُرآن والسُّنَّة؛ فقال الْحُذَّاق (٢): ذلك رَاجِع إلى الوُجُود والعِبَارة عنه بالوَجْه مِنْ مَجَاز (٣) الكَلام، إذْ كان الوَجْه أظْهَر الأعْضَاء في الشَّاهِد وأجَلّها قَدْرًا … وقال بعض الأئمَّة:


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٢/ ٤٠).
(٢) إثبات الوجه لله سبحانه وتعالى طريقة أهل السنة، وأما آية البقرة بِخُصُوصِها فقال فيها ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"، مرجع سابق (٣/ ١٩٣): وليست هذه الآية من آيات الصفات، ومن عدها في الصفات فقد غَلِط، كما فعل طائفة، فإن سياق الكلام يَدُلّ على المراد حيث قال: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) [البقرة: ١١٥]، والمشرق والمغرب الجهات، والوجه هو الجهة، يقال: أي وجه تريده؟ أي جهة، وأنا أريد هذا الوجه، أي: هذه الجهة، كما قال تعالى: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا) [البقرة: ١٤٨]، ولهذا: قال (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) [البقرة: ١١٥] أي: تستقبلوا وتتوجهوا. اهـ.
والقرطبي قد تأول صفة الوجه عمومًا.
(٣) نقل القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن"، مرجع سابق (١١/ ٢٦) أن "العدول عن الحقيقة إلى المجاز يقتضي العجز عن الحقيقة، وهو على الله تعالى محال". وسبقت الإشارة إلى بطلان القول بالمجاز الذي يقابل الحقيقة. ينظر لذلك: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (٧/ ٨٨ وما بعدها)، (١٢/ ٢٧٧)، و"الإيمان" له (٦٣ - ٨٦)، و"محاسن التأويل" القاسمي (١/ ١٥٤ وما بعدها)، و"منع المجاز في المنزَل للتعبد والإعجاز"، الشنقيطي، ملحق بتفسيره "أضواء البيان"، و"نشأة الأهواء والافتراق والبدع"، ناصر العقل (ص ٧٩ وما بعدها).

<<  <   >  >>