للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل: مَنْ كَان يُرِيد الدُّنيا بِغَزْوِه مع النبي صلى الله عليه وسلم وفّيَها، أي: وُفِّي أجْر الغَزَاة، ولم يُنْقَص مِنها، وهذا خُصُوص، والصَّحِيح العُمُوم.

ثم بَحَث القرطبي عُمُوم هَذه الآيَات وتَقْيِيدها، فَقال: ذَهَب أكْثر العُلَمَاء إلى أنَّ هذه الآيَة مُطْلَقَة، وكَذلك الآيَة التي في "الشورى": (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا) الآيَة، وكَذلك: (وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا)، قَيَّدَها وفَسَّرَها التي في "سُبحان" (١): (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) إلى قَولِه (مَحْظُورًا) فأخْبَر سُبحانه أنَّ العَبْد يَنْوِي ويُرِيد، والله سُبْحانه يَحْكُم مَا يُرِيد.

ورَوى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما في قَوله: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) مَنْسُوخَة بِقَولِه: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ). والصَّحِيح مَا ذَكَرْناه، وأنه مِنْ باب الإطْلاق والتَّقْيِيد .... والنَّسْخ في الأخبار لا يَجُوز، لاسْتِحَالَةِ تَبَدُّل الوَاجِبَات العَقْلِيّة، ولاسْتِحَالَة الكَذِب على الله تعالى، فأمَّا الإخْبَار عن الأحْكَام الشَّرْعية فيَجُوز نَسْخُها على خِلاف فيه (٢).

وقال في آيَة "الشورى": (وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا) أي: طَلَب بِالْمَال الذي آتَاه الله رِيَاسَة الدُّنيا والتَّوَصُّل إلى الْمَحْظُورَات فإنَّا لا نَحْرِمه الرِّزْق أصْلًا، ولكن لا حَظَّ له في الآخِرَة مِنْ مَالِه. قَال الله تَعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (١٨) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) [الإسراء: ١٨، ١٩].

ونَقَل القرطبي عن القُشيري قَوله: والظَّاهِر أنَّ الآيَة في الكَافِر يُوَسَّع له في الدُّنيا. أي: لا يَنْبَغِي له أن يَغْتَرّ بِذلك، لأنَّ الدُّنيا لا تَبْقَى.


(١) يَعني: سورة الإسراء، وتسمى أيضًا: سورة بني إسرائيل.
(٢) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٩/ ١٦، ١٧) باختصار.

<<  <   >  >>