للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واخْتَار القُرْطُبي أنَّ الضَّمِير في قَوله تَعالى: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ) [طه: ٥٥] عائد على آدَم.

حَيث قَال: يَعْنِي آدَم عليه السلام؛ لأنه خُلِق مِنْ الأرْض، قاله أبو إسحاق الزجاج وغيره (١).

وكَذلك قَال في قَوله تَعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) [هود: ٦١]، حيث قال: أي ابْتَدأ خَلْقِكم مِنْ الأرْض، وذلك أنَّ آدَم خُلِق مِنْ الأرض … وهُم مِنه (٢).

كما اخْتَار القرطبي أن (الْإِنْسَانَ) في آيَة "المؤمنون" هو آدَم عليه الصلاة والسلام.

ثم عَلَّل سَبَب تَسْمِية الإنْسَان إنْسَانًا، وذلك "لأنه اسْتُلّ مِنْ الطِّين. ويَجِيء الضَّمِير في قَوله: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ) عائدًا على ابْنِ آدَم - وإن كان لم يُذْكَر لِشُهْرَة الأمْر - فإنَّ الْمَعْنَى لا يَصْلُح إلَّا لَه (٣)، نَظِير ذلك: (حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ) " [ص: ٣٢].

وقِيل: الْمُرَاد بالسُّلالَة ابن آدَم. والسُّلالَة على هذا صَفْوَة الْمَاء، يَعْنِي الْمَنِيّ .... فالنُّطْفَة سُلالة، والوَلَد سَلِيل وسُلالة، عَنَى به الْمَاء يُسَلّ مِنْ الظَّهْر سَلًّا … وقوله: (مِنْ طِينٍ) أي: أنَّ الأصْل آدَم، وهو مِنْ طِين. قُلت: أي: مِنْ طِين خَالِص، فأمَّا وَلَده فَهو مِنْ طِين ومَنِيّ حَسْبَمَا … وقال الكلبي: السُّلالة الطِّين إذا عَصَرْته انْسَلّ مِنْ بَيْن أصَابِعك، فالذي يَخْرُج هو السُّلالة (٤).

وفي آيَة "الصافات" بَيَّن القرطبي أنَّ مْعَنَى (لازِبٍ): لاصِق.

ونَقَل عن قتادة وابن زيد: مَعْنَى لازِب لازِق.

كما نَقَل عن الْمَاوَرْدي الفَرْق بين اللاصِق واللازِق، وذلك أنَّ اللاصِق هو الذي قد لُصِق بَعْضُه بِبعض، واللازِق هو الذي يَلْتَزِق بِمَا أصَابَه.

وعن عكرمة قَوله: لازِب، لَزِج.


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١١/ ١٩١) باختصار.
(٢) المرجع السابق (٩/ ٥٠).
(٣) أي: لا يصلح عود الضمير إلا لابن آدم.
(٤) المرجع السابق (١٢/ ١٠١، ١٠٢).

<<  <   >  >>