للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعَن آخَرِين: الصِّلْصَال الْمُنْتِن.

وكأنهم وَجَّهُوا ذلك إلى أنه مِنْ قَولِهم: صَلّ اللحم وأصَلّ: إذا أنْتَن. يُقَال ذلك باللغَتَين كِلَيهما بـ "فَعَل وأفْعَل".

أمَّا اخْتِيار ابن جرير في الآيَة فَهو "أنْ يَكُون الصِّلْصَال في هذا الْمَوْضِع الذي له صَوت مِنْ الصَّلْصَلَة، وذلك أنَّ الله تَعالى وَصَفَه في مَوْضِع آخَر، فَقَال: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) [الرحمن: ١٤]، فَشَبَّهَه تَعَالى ذِكْرُه بِأنه كَان كالفَخَّار في يُبْسِه، ولو كان مَعْنَاه في ذلك الْمُنْتِن لم يُشَبِّه بِالفَخَّار (١)؛ لأن الفَخَّار ليس بِمُنْتِن فَيُشَبَّه به في النَّتَنِ غَيرُه" (٢).

وفي آيَة "المؤمنون" يَقول ابن جرير: "ثم جَعَلْنا الإنْسَان - الذي جَعَلْنَاه مِنْ سُلالَة مِنْ طِين نُطْفَة في قَرَار مَكِين، وهو حَيث اسْتَقَرَّتْ فيه نُطْفَة الرَّجُل مِنْ رَحِم الْمَرْأة" (٣).

وفي قَولِه تَعالى: (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ) [السجدة: ٧، ٨] قال ابن جرير: وبَدأ خَلْق آدَم مِنْ طِين (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ)، يَعْنِي: ذُرِّيَّته (مِنْ سُلَالَةٍ) يَقُول: مِنْ الْمَاء الذي انْسَلّ فَخَرَج مِنه (٤).


(١) تقرير ابن جرير هذا فيه نظر من الناحية اللغوية، فأهل اللغة يخالفونه في أن التشبيه لا يقتضي المشابهة من كل وجه، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم شبه رؤية المؤمنين لربهم في الجنة برؤية القمر؟
وفي "شرح مختصر الروضة" (٣/ ٤٢٤): "مثل الشيء ما ساواه من كل وجه في ذاته وصفاته، وشبه الشيء وشبيهه ما كان بينه وبينه قدر مشترك من الأوصاف". اهـ.
ثم إنه قد ورد وصف الصلصال بالحمأ المسنون، والحمأ الطين الأسود المنتن. انظر: "مشارق الأنوار"، مرجع سابق (١/ ١٩٩)، و"لسان العرب"، مرجع سابق (١/ ٦١).
(٢) جامع البيان، مرجع سابق (١٤/ ٥٧ - ٥٩) باختصار.
(٣) المرجع السابق (١٧/ ٢٠).
(٤) المرجع السابق، الموضع السابق.

<<  <   >  >>