للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَوله تَعالى: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) لَمّا حَذَّر تَعالى مِنْ كِتْمَان الْحَقّ بَيَّن أنَّ أوَّل مَا يَجِب إظْهَارُه ولا يَجُوز كِتْمَانه أمْر التَّوْحِيد، ووَصَل ذلك بِذِكْرِ البُرْهَان، وعِلْم طَرِيق النَّظَر وهو الفِكْر في عَجَائب الصُّنْع، لِيُعْلَم أنه لا بُدّ لَه مِنْ فَاعِل لا يُشْبِهه شَيء.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: قَالَتْ كُفَّار قُرَيش: يَا محمد أنْسُب (١) لنَا رَبَّك (٢) فأنْزَل الله تَعالى سُورة الإخْلاص وهَذه الآيَة.

وقَال: قَوله تَعالى: (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) نَفْي وإثْبات؛ أوّلها كُفْر، وآخِرُها إيمان. ومَعْنَاه: لا مَعْبود إلَّا الله (٣). وحُكِيَ عن الشِّبْلِي رحمه الله أنه كان يَقُول: الله، ولا يَقُول: لا إله فسُئِل عن ذلك، فَقَال: أخْشَى أن آخُذ في كَلِمَة الْجُحُود ولا أَصِل إلى كَلِمَة الإقْرَار.

قلت: وهَذا مِنْ عُلُومِهم الدَّقِيقَة التي لَيْسَت لَها حَقِيقَة! فإنّ الله جَلّ اسْمُه ذَكَرَ هذا الْمَعْنَى في كِتَابِه نَفْيًا وإثْبَاتًا، وكَرَّرَه، ووَعَد بِالثَّوَاب الْجَزِيل لِقَائِله على لِسَان نَبِيِّه صلى الله عليه وسلم (٤).

ويَرَى أنَّ آيَة "المائدة" في إثْبَات التَّوْحِيد رَدًّا على أهْل التَّثْلِيث، فَيَقُول: (وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ).


(١) قال الأزهري: وليس معناه أن نسبًا انتسب إليه، ولكن معناه: نفي النسب عن الله تعالى الواحد؛ لأن الأنساب إنما تكون للمخلوقين والله تعالى صفته أنه لم يلد ولدًا ينسب إليه، ولم يولد فينتسب إلى ولد، ولم يكن له مثل ولا يكون، فيشبه به، تعالى الله عن افتراء المفترين وتقدس عن إلحاد المشركين، وسبحانه عما يقول الظالمون والجاحدون علوًا كبيرًا. (لسان العرب، مرجع سابق ٣/ ٤٥١).
(٢) ورواه أحمد (ح ٢١٢١٩)، والترمذي (ح ٣٣٦٤)، وابن جرير في تفسيره (٢٤/ ٧٢٧) عن أبي بن كعب.
(٣) هذا يحتاج إلى قيد، وهو أنه لا معبود بحق إلا الله. قال الخطابي (الغنية ص ٣٨): الإله يطلق على كل معبود بحق أو باطل، وفي "عقيدة الفرقة الناجية"، محمد بن عبد الوهاب (ص ١٩) قال عن شهادة التوحيد: ومعناها: لا معبود بحق إلا الله.
(٤) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٢/ ١٨٧)، ومما يرد قول الشبلي أيضًا: أنه جاء الحث على تلقين المحتضر (لا إله إلا الله)، وهو أقرب إلى أن يقول بعضها دون بعض، ومع ذلك لم يلتفت إلى ذلك الاحتمال وانظر في تلقين المحتضر: صحيح مسلم (ح ٩١٦، ٩١٧).

<<  <   >  >>