للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- تعالى الله عن قَولهم - فإنَّ هذه صِفَة الأجْسَام، والله تعالى مُتَعَال عن ذلك. ألا تَرَى مُنَاظَرة بِشْر في قَول الله عَزَّ وَجَلّ: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ) حين قال: هو بِذَاتِه في كُلّ مَكان، فقال له خَصْمُه: هو في قُلُنْسُوتِك، وفي حَشْوك، وفي جَوْف حِمَارِك؟ (١) - تعالى الله عما يقولون - حَكى ذلك وكيع رضي الله عنه" (٢).

هذا مَا قَرَّرَه في آيَة "النساء"، وقال في آية "الحديد": (وَهُوَ مَعَكُمْ) يعني بِقُدْرَتِه وسُلْطَانِه وعِلْمِه. (أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) يُبْصِر أعْمَالِكُم ويَرَاها، ولا يَخْفَى عليه شَيء منها، وقد جَمَع في هذه الآيَة بَيْن (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) وبَيْن (وَهُوَ مَعَكُمْ)، والأخْذ بالظَّاهِرَين تَناقُض، فَدَلّ على أنه لا بُدّ مِنْ التَّأوِيل، والإعْرَاض عن التَّأوِيل اعْتِرَاف بالتَّنَاقُض (٣).

ومَعْنَى (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة: ٤٠] أي: بِالنَّصْر، والرِّعَاية، والْحِفْظ، والكَلاءَة.

رَوى الترمذي (٤) والحارث بن أبي أسامة (٥) قالا (٦): حَدثنا عفان قال: حَدثنا هَمام قال: أخْبَرنا ثَابِت عن أنس أنَّ أبا بكر حَدَّثَه قال: قلتُ للنبي صلى الله عليه وسلم ونَحْن في الغَار: لو أنَّ أحَدَهُم نَظَر إلى قَدَمَيه لأبْصَرَنا تَحْت قَدَمَيه. فقال: يا أبا بَكْر مَا ظَنّك باثْنَيْن الله ثَالِثُهما؟ (٧)


(١) أي أنه انقطع بذلك في المناظرة.
(٢) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٥/ ٣٦٠).
(٣) المرجع السابق (١٧/ ٢٠٣، ٢٠٤) أي: تأويل ظاهر المعية بأنها "بالعلم والرؤية والسمع" كما قرره في آية "النساء".
(٤) (ح ٣٠٩٦).
(٥) لم أجده في مسنده بعد بحث.
(٦) بين الترمذي وبين عفان: زياد بن أيوب البغدادي.
(٧) الحديث مخرج في الصحيحين: رواه البخاري (ح ٤٣٨٦)، ومسلم (ح ٢٣٨١)، وكان الأولى عزوه إليهما. ورواه أحمد (ح ١١) عن عفان به.

<<  <   >  >>