للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله تعالى: (عَلَى الْعَرْشِ) لَفْظ مُشْتَرك يُطْلَق على أكثر مِنْ واحِد … وقد يُؤوّل العَرْش في هذه الآية بمعنى الْمُلْك، أي: ما اسْتَوى الْمُلْك إلَّا لَه جَلّ وعَزّ، وهو قَول حَسَن، وفيه نَظَر (١).

وأحال في آية "يونس" وفي آية "الرعد" وفي آية "الفرقان" وفي آية "السجدة" وفي آية "الحديد" على ما قَرَّره في آية "الأعراف".

بَيْنَمَا قال في "الأسْنَى في شَرْح أسْمَاء الله الْحُسْنَى" (٢): أظْهَر الأقْوَال - وإن كُنْتُ لا أقُول بِه ولا أخْتَارُه - مَا تَظَاهَرَتْ عليه الآيُ والأخْبَار والفُضَلاء الأخْيَار أنَّ الله سُبحانه على عَرْشِه كَمَا أخْبَر في كِتَابِه بِلا كيف، بَائن مِنْ جَمِيع خَلْقِه؛ هذا جُمْلَة مَذْهَب السَّلَف الصَّالِح (٣).

وفي قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه: ٥] أحَال القرطبي على ما قَرَّرَه في آية "الأعراف" ثم قال: والذي ذَهَب إليه الشيخ أبو الْحَسَن وغيره (٤) أنه مُسْتَوٍ على عَرْشِه بِغير حَدّ ولا كَيف كَمَا يَكُون اسْتِوَاء الْمَخْلُوقِين (٥).

"ومَعْنَى (وَهُوَ مَعَهُمْ) أي: بِالعِلْم والرُّؤْيَة والسَّمْع؛ هذا قَوْل أهْل السُّنَّة.

وقالت الجهمية والقدرية والمعتَزِلة: هو بِكُلّ مَكان، تَمَسُّكًا بِهَذِه الآيَة ومَا كان مِثْلها؛ قالوا: لَمَّا قَال: (وَهُوَ مَعَهُمْ) ثَبَت أنه بِكُلّ مَكان، لأنه قد أَثْبَت كَوْنه معهم


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٧/ ١٩٦، ١٩٧) باختصار.
(٢) (٢/ ١٢٢).
(٣) قال مرعي الحنبلي في "أقاويل الثقات" (ص ١٣٢): والعجب من القرطبي حيث يقول: وإن كنت لا أقول به ولا أختاره، ولعله خشي من تحريف الحسدة، فدفع وهمهم بذلك.
وسيأتي نقل ابن تيمية لقول القرطبي دون هذه الجملة، وسبق مناقشة هذه المسألة في "التمهيد" لهذا البحث.
وانظر: تحقيق عبد الله البراك لكتاب "العلو للعلي العظيم" (٢/ ١٣٧٦) حاشية (٤).
(٤) قرر في آية "الأعراف" أن هذه عقيدة السلف.
(٥) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١١/ ١٥٤).

<<  <   >  >>