للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونَقَل ابن الجوزي في آيَة "الأعراف" عن الخليل بن أحمد قوله: العَرش السَّرِير، وكُل سَرِير لِمَلِكٍ يُسَمّى عَرْشًا، وقَلَّمَا يُجْمَع العَرْش إلَّا في اضْطِرَار.

ثم قال: واعْلم أنَّ ذِكْر العَرْش مَشْهُور عند العَرَب في الْجَاهِلِيَّة والإسْلام.

ونَقَل عن كَعْبٍ (١) قَوله: إنَّ السَّمَاوَات في العَرْش كَالقِنْدِيل مُعَلَّق بَيْن السَّمَاء والأرْض (٢).

قال: وإجْماع السَّلَف مُنْعَقِد على أنَّ لا يَزِيدُوا على قِرَاءَة الآيَة (٣). وقد شَذّ قَوْم فَقَالوا: العَرْش بِمَعْنَى الْمُلْك. وهذا عُدُول عن الْحَقِيقَة إلى التَّجَوُّز مع مُخَالَفَة الأثَر.

ألَم يَسْمَعُوا قَولَه تَعالى: (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) [هود: ٧] أتُرَاه كان الْمُلْك على الْمَاء؟

وقد رَدّ ابن الجوزي على مَنْ تَأوَّل الاسْتِوَاء بِمَعْنَى "الاسْتِيلاء"، فَقَال:

وبَعْضُهم يَقُول: اسْتَوَى بِمَعْنَى اسْتَولى، ويَحْتَجّ بِقَول الشاعر:

حتى (٤) اسْتَوَى بِشْرٌ على العِرَاق مِنْ غَيْر سَيْف ودَم مِهْرَاق

ويقول الشاعر أيضًا:

هُمَا اسْتَوَيا بِفَضْلِهما جَمِيعا على عَرْش الْمُلُوك بِغَيْر زَور


(١) هو كعب الأحبار، وانظر: تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (١٠/ ١٤١).
(٢) وفي الحديث: "ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة في أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة". رواه ابن أبي شيبة العبسي في كتاب "العرش" (ح ٥٨)، وابن حبان (ح ٣٦١ إحسان)، وأبو الشيخ في كتاب "العظمة" (ح ١٧)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (ح ٢٥٤٤).
وقال ابن حجر (الفتح ١٣/ ٤١١): وله شاهد عن مجاهد أخرجه سعيد بن منصور في التفسير بسندٍ صحيح عنه، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (ح ١٠٩).
(٣) تقدم النقل عن السلف، وسيأتي مزيد نقل أيضًا أنهم فسروا المعنى المراد بالاستواء، وأنهم أثبتوا الاستواء لله عز وجل استواء يليق بجلاله وعظمته.
(٤) البيت يُروى: قد استوى .... وينظر في ردّ هذا التأويل: "الصواعق المرسلة"، ابن القيم (٢/ ٦٧٤)، و"اجتماع الجيوش الإسلامية" مرجع سابق (ص ١٩٢)، و"أقاويل الثقات"، مرجع سابق (ص ١٢٤).

<<  <   >  >>