للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا مُنْكر عند اللغويين. قال ابن الأعرابي (١): العَرَب لا تَعْرِف اسْتَوى بِمَعْنَى اسْتَوْلَى، ومَن قَال ذلك فَقد أعْظَم. قَالُوا: وإنَّمَا يُقَال: اسْتولى فلان على كذا، إذا كان بَعِيدًا عنه غَير مُتَمَكّن مِنه ثم تَمَكَّن مِنه. والله عَزَّ وَجَلّ لَم يَزَل مُسْتَولِيًا على الأشْيَاء. البَيْتَان لا يُعْرَف قَائلُهُما، كذا قال ابن فارس اللغوي، ولو صَحَّا فلا حُجَّة فِيهما لِمَا بَيَّنَّا مِنْ اسْتِيلاء مَنْ لَم يَكُنْ مُسْتَولِيًا (٢) نَعُوذ بِالله مِنْ تَعطيل الْمُلْحِدَة، وتَشْبِيه الْمُجَسِّمَة (٣).

واكْتَفَى بِهذا الإيضَاح، فلم يَتَطَرَّق إلى مَعْنَى "الاسْتِوَاء" في الْمَوَاضِع الأُخْرَى، إلَّا أنه نَقَل في تَفْسِير آيَة "الكرسي" عن الْخَطابي قَوله: وقد يَكُون مِنْ العُلُوّ الذي هو مَصْدَر عَلا يَعْلُو فَهو عَالٍ، كَقَولِه تَعَالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه: ٥]، ويَكُون ذلك مِنْ علاء الْمَجْد والشَّرف. يُقال مِنه: عَلِي يُعْلى علاء (٤).

وفي آيَة "النساء" اقْتَصَر على تَفْسِير الْمَعِيَّة بِالعِلْم، فَقَال: (وَهُوَ مَعَهُمْ) بِالعِلْم (٥).

وقال في آيَة "الحديد": قَوله تَعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) أي بِعِلْمِه وقُدْرَته (٦).


(١) روى اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" (٣/ ٣٩٩) من طريق داود بن علي قال: كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل، فقال: ما معنى قول الله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه: ٥]؟ فقال: هو على عرشه كما أخبر عز وجل، فقال: يا أبا عبد الله ليس هذا معناه، إنما معناه استولى فقال: اسكت! ما أنت وهذا؟ لا يقال استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاد، فإذا غلب أحدهما قيل: استولى. ونقله ابن قدامة "إثبات صفة العلو" (ص ١١٩، ١٢٠).
(٢) وزاد مرعى الحنبلي في "أقاويل الثقات" ص (١٢٤) جواب آخر، وهو: أن الله تعالى مستولٍ على الكونين والجنة والنار وأهلهما. فأي فائدة في تخصيص العرش بالذكر؟ ولا يكفى في الجواب أنه حيث قهر العرش على عظمته واتساعه، فغيره أولى؛ لأن الأنسب في مقام التمدح بالعظمة التعميم بالذكر لقهره الأكوان الكلية بأسرها.
(٣) زاد المسير، مرجع سابق (٣/ ٢١٢، ٢١٣).
(٤) زاد المسير، مرجع سابق (١/ ٣٠٤).
(٥) المرجع السابق (٢/ ١٩٣).
(٦) المرجع السابق (٨/ ١٦٠).

<<  <   >  >>