بَعْضه بعضًا، وكان مع ذلك غير جائز أن يَكُون أحَد هَذين الْخَبَرين نَاسِخًا للآخَر، إذ كان غير جَائز في الأخْبَار (١) … عُلِمَ أنَّ مَعْنى قوله: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ) غير مَعْنَى قَوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)، فإنَّ أهْل الْجَنَّة يَنْظُرُون بِأبْصَارِهم يَوْم القِيَامَة إلى الله، ولا يُدْرِكُونه بِها، تَصْدِيقًا لله في كِلا الْخَبَرين، وتَسْلِيمًا لِمَا جَاء به تَنْزِيله على مَا جَاء به في السُّورَتَين.
ونَقَل عن آخَرِين: مَعْنَى ذلك: لا تَرَاه الأبْصَار وهو يَرَى الأبْصَار.
فقال قائلو هذه الْمَقَالة: مَعْنَى الإدْرَاك في هذا الْمَوضِع الرُّؤية، وأنْكَرُوا أن يكون الله يُرَى بالأبْصَار في الدُّنيا والآخِرَة.
وَنَقَل عن آخَرِين: مَعْنَى ذلك: لا تُدْرِكه أبْصَار الْخَلائق في الدُّنيا، وأمَّا في الآخِرَة فَإنَّها تُدْرِكُه.
وقَال أهْل هذه الْمَقَالَة: الإدْرَاك في هَذا الْمَوْضِع الرُّؤيَة.
كَمَا نَقَل عن آخَرِين مِنْ أهْل هذه الْمَقَالَة: الآيَة على الْخُصُوص، إلَّا أنه جَائز أن يَكُون مَعْنَى الآيَة: لا تُدْرِكه أبْصَار الظَّالِمِين في الدُّنيا والآخِرَة، وتُدْرِكه أبْصَار الْمُؤمِنِين وأوْلِيَاء الله.
وعن آخَرِين: الآيَة على العُمُوم، ولن يُدْرِك اللهَ بَصَرُ أحَدٍ في الدُّنيا والآخِرَة، ولكن الله يُحْدِث لأوْلِيائه يَوْم القِيَامَة حَاسَّة سَادِسَة سِوَى حَوَاسِّهم الْخَمْس، فَيَرَونَه بِها.
والصَّوَاب مِنْ القَوْل في ذلك عِندنا مَا تَظَاهَرَتْ به الأخْبَار عن رَسول الله صلى الله علهي وسلم أنه قال: إنكُم سَتَرَون رَبكُم يَوْم القِيَامَة كما تَرَون القَمَر لَيْلَة البَدْر، وكَمَا