للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي "الأبْصَار" قَوْلان:

أحَدهما: أنَّها العُيون، قَاله الْجُمْهُور.

والثَّاني: أنها العُقُول.

فَفِي مَعْنَى الآيَة ثَلاثَة أقْوَال:

أحَدُها: لا تُحِيط بِه الأبْصَار … وقال الزجاج مَعْنَى الآيَة: الإحَاطَة بِحَقِيقَتِه، وليس فيها دَفْع للرُّؤيَة، لِمَا صَحّ عن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ الرُّؤيَة، وهَذا مَذْهَب أهْل السُّنَّة والعِلْم والْحَدِيث.

والثَّاني: لا تُدْرِكه الأبْصَار إذا تَجَلَّى بِنُورِه الذي هو نُورُه.

والثَّالِث: لا تُدْرِكُه الأبْصَار في الدُّنيا.

وَحَمَل ابن الجَوزي الْمُطْلَق على الْمُقَيَّد، فَرَجَّح أن الرُّؤيَة الْمَنْفِيَّة في الدُّنيا، حيث قال: ويَدُلّ على أنَّ الآيَة مَخْصُوصَة بِالدُّنيا قَوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ). فَقَيَّد النَّظَر إليه بِالقِيَامَة، وأطْلَق في هَذه الآيَة، والْمُطْلَق يُحْمَل على الْمُقَيَّد (١).

وأكَّد ذلك في آيَة "الأعراف"، فَقَال: قَوله تَعالى: (قَالَ لَنْ تَرَانِي) تَعَلَّق بِهذا نُفَاة الرُّؤيَة، وقَالُوا: (لن) لِنَفْي الأبَد، وذلك غَلَط، لأنَّها قد وَرَدَتْ ولَيس الْمُرَاد بِها الأبَد في قَولِه: (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) [البقرة: ٩٥]، ثم أخْبَر عنهم بِتَمَنِّيه في النَّار بِقَولِه: (يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) [الزخرف: ٧٧]، ولأنَّ ابن عباس قَال في تَفْسِيرِها: لن تَرَاني في الدُّنيا.

وقال غيره: هذا جَوَاب لِقَول مُوسَى: أرِنِي، ولم يُرِد أرِني في الآخِرَة، وإنَّمَا أرَادَ في الدُّنيا، فأُجِيب عَمَّا سَأل.

وقال بَعْضُهم: لن تَرَاني بِسُؤالِك.


(١) زاد المسير، مرجع سابق (٣/ ٩٨، ٩٩).

<<  <   >  >>