للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحَكَى الرَّازِي الاتِّفَاق عَلى حُكْم الآيَة والاخْتِلاف في بَقَائه، فَقَال: اتَّفَق الْجُمْهُور عَلى أنَّ حُكْم هَذه الآيَة حُرْمة القِتَال في الشَّهْر الْحَرَام، ثم اخْتَلَفُوا أنَّ (١) ذلك الْحُكْم هل بَقي أم نُسخ؟ فَنُقِل عن ابنِ جُريج أنه قَال: حَلَفَ لي عَطَاء بِالله أنه لا يَحِلّ للنَّاس الغَزْو في الْحَرَم ولا في الأشْهُر الْحُرُم إلَّا عَلى سَبِيل الدَّفْع.

رَوَى جَابِر قَال: لم يَكُنْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَغْزو في الشَّهْر الْحَرَام إلَّا أن يُغْزَى (٢). وسُئل سَعيد بن المسيب: هل يَصْلُح للمُسْلِمِين أن يُقَاتِلُوا الكُفَّار في الشَّهْر الْحَرَام؟ قَال: نَعَم. قال أبو عُبيد: والنَّاس بالثُّغُور اليَوم جَمِيعًا عَلى هَذا القَوْل، يَرَون الغَزو مُبَاحًا في الشُّهور كُلّها، ولم أرَ أَحَدًا مِنْ عُلَمَاء الشَّام والعِرَاق يُنكِره عَليهم، كَذلك حَسب قَوْل أهْل الْحِجَاز.

والْحُجَّة في إبَاحَته قَوله تَعالى: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْث وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة: ٥]، وهَذِه الآية نَاسِخَة لِتَحْرِيم القِتَال في الشَّهْر الْحَرَام.

ثم رجّح الرَّازي عَدَم القَول بالنَّسْخ، إذ يَرى أنَّ الآية في سِيَاق الإثْبَات، فَتَتَنَاول الشَّهْر الْحَرَام الْمُعيَّن والْمُشَار إلَيه في الآيَة، فَقَال:

والذي عِنْدي أنَّ قَوله تَعالى: (قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) هذا نَكِرَة في سِيَاق الإثْبَات، فَيَتَنَاول فَرْدًا وَاحِدًا، ولا يَتَنَاول كُلّ الأفْرَاد، فَهَذِه الآيَة لا دَلالَة فِيها عَلى تَحْرِيم القِتَال مُطْلَقا في الشَّهْر الْحَرَام، فلا حَاجَة إلى تَقْدير النَّسْخ فيه (٣).

وإلى القول بالنَّسْخ ذَهَب ابن جُزيّ، إلَّا أنَّه نازَع في النَّاسِخ، حَيْث قَال: (قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) أي: مَمْنُوع، ثم نَسَخَه: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة: ٥]، وذَلك


(١) هكذا في المطبوع، ولعل العبارة: في ذلك الْحُكْم ....
(٢) سبق تخريجه.
(٣) التفسير الكبير (٦/ ٢٨) باختصار. ومعنى قوله هَذا، مَا سَيأتي في قَول الألُوسي "الْمُرَاد بالأشْهر الْحُرُم أشْهُر مُعَيَّنة أُبِيح للمُشْرِكين السِّيَاحَة فِيها".

<<  <   >  >>