للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَعِيد، فإن (حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) عُمُوم في الأمْكنة لا في الأزْمِنة، ويَظْهَر أنَّ نَاسِخَه: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) بَعْد ذِكْر الأشْهُر الْحُرُم، فَكَان التَّقْدِير: قَاتِلُوا فِيها، ويَدُلّ عَليه: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ). ويُحتَمَل أن يَكُون الْمُرَاد وُقُوع القِتَال في الشَّهْر الْحَرَام، أي إبَاحَته حَسبما اسْتَقَرّ في الشَّرع، فلا تَكُون الآيَة مَنْسُوخَة، بل نَاسِخَة لِمَا كَان في أوَّل الإسْلام مِنْ تَحْرِيم القِتَال في الأشْهُر الْحُرُم (١).

وقال الألوسي: والأكْثَرُون على أنَّ هَذا الْحُكْم مَنْسُوخ بِقولِه سُبْحَانَه: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة: ٥]، فإنَّ الْمُرَاد بالأشْهر الْحُرُم أشْهر مُعَيَّنة أُبِيح للمُشْرِكين السِّيَاحَة فيها بقولِه تَعالى: (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) [التوبة: ٢١]، ولَيْس الْمُرَاد بها الأشْهُر الْحُرم مِنْ كُلّ سَنَة، فالتَّقْيِيد بها يُفِيد أنَّ قَتْلَهم بعد انْسلاخها مَأمُور به في جَمِيع الأمْكِنَة والأزْمِنَة (٢).

في حين اقتصر الثعالبي على ذِكر النَّسْخ، فَحَكى عن الزهري ومجاهد وغيرهما في قوله تعالى: (قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) أنه مَنْسُوخ (٣).

وفَرَّق القاسمي بين حُكْم القِتَال دَفعًا وبَيْن ابْتِدَاء القِتَال في الشَّهْر الْحَرَام، فَقَال: ولا خِلاف في جَواز القِتَال في الشَّهْر الْحَرَام دَفْعًا، وإنما الْخِلاف أن يُقاتَل فيه ابتداء؛ فالْجُمْهُور جَوَّزُوه، وقالوا: تَحْريم القِتَال فيه مَنْسُوخ، وهو مَذْهَب الأئمَّة الأرْبَعَة (٤).


(١) التسهيل لعلوم التنْزيل، مرجع سابق (١/ ٧٨).
(٢) روح المعاني (٢/ ١٠٨).
(٣) انظر: الجواهر الحسان (١/ ١٦٧).
(٤) محاسن التأويل، مرجع سابق (٣/ ١٤٨).

<<  <   >  >>