للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذَكَر البَغَوي في الآيَة ثَلاثَة أقْوَال، وكأنه ضَعَّف القَوْل بِالنَّسْخ، فإنه قَال بَعْد سِيَاق الأقْوَال في الآيَة: وقِيل: كَان هَذا في الابْتِدَاء قَبْل أن يُؤمَر بالقِتَال، فَصَارَتْ مَنْسُوخَة بِآيَة السَّيف، وهَو قَول ابن مسعود رَضي الله عنه (١).

وقال ابن عطية: ويَلْزَم عَلى هَذا أنَّ الآيَة مَكِّيَّة، وأنها مِنْ آيَات الْمُوادَعَة التي نَسَخَتْها آيَة السَّيف. وقال قَتادة والضحاك بن مُزاحم: هَذه الآيَة مُحْكَمَة خَاصَّة في أهْل الكِتَاب الذين يَبْذُلُون الْجِزْيَة ويُؤدُّونها عن يَدٍ صُغرة. وذَكَر قَول ابن عباس وقول السُّدّي (٢).

وقال النسفي: أي: لا إجْبَار عَلى الدِّين الْحَقّ، وهو دِين الإسْلام. وقِيل: هو إخْبَار في مَعْنَى النَّهْي (٣).

وأبَان ابنُ جُزي الْمَعْنَى بِقَولِه: الْمَعْنَى أنَّ دِين الإسْلام في غَاية الوُضُوح، وظُهُور البَرَاهِين عَلى صِحَّتِه، بِحَيث لا يَحْتَاج أن يُكْرَه أحَد عَلى الدُّخُول فِيه، بل يَدْخُل فِيه كُلّ ذِي عَقل سَليم مِنْ تِلْقَاء نَفْسِه دُون إكْرَاه، ويَدُلّ عَلى ذَلك قَوله: (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)، أي: قَدْ تَبَيَّن أنَّ الإسْلام رُشْد، وأنّ الكُفْر غَيّ، فلا يَفْتَقِر بَعد بَيَانِه إلى إكْرَاه.

وضَعَّفَ القَول بالنَّسْخ، حيث قَال: وقِيل: مَعْنَاها الْمُوادَعَة، وأنْ لا يُكْرَه أحَد بالقِتَال عَلى الدّخُول في الإسْلام، ثم نُسِخَتْ بالقِتَال، وهذا ضَعِيف لأنها مَدَنية، وإنما آيَة الْمُسَالَمَة وتَرْك القِتَال بِمَكَّة (٤).


(١) معالم التنْزيل، مرجع سابق (١/ ٢٤٠).
(٢) الْمُحرَّر الوجيز، مرجع سابق (١/ ٣٤٣).
(٣) مدارك التنْزيل، مرجع سابق (١/ ١٢٥).
(٤) التسهيل لعلوم التنْزيل، مرجع سابق (١/ ٩٠).

<<  <   >  >>