للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يجد الرومان مساعدة من مصينيسا الذي لزم انحياد رجاء أن يستفيد من ضعف الدولتن كلتيهما.

مكث القرطاجنيون في انحصار عامين. واشتد عليهم تحت رئاسة سبيون الأميلي اذ حفر خندقا أحاط بالمدينة، وأقام سدا بينها وبين المرسى، وطارد الجيش القرطاجني المقيم خارج المدينة. وبذلك انقطعت عن المحصورين مادة التموين. وذلك سنه (١٤٧). وحاول المحصورون النفوذ الى المرسى باتخاذ نفق تحت الجبل. فشعر بهم المحاصرون وردوهم إلى الحصار فاستمروا فيه متزودين بالصبر.

لما حكم سبيون حصار قرطاجنة وقطع عنها المؤنة برا وبحرا عزم على فتحها. فقصد مكانا ليدخل منه على غرة من أهلها. ففطن به صدر بعل حفيد مصينيسا وصده بايقاد النيران في وجهه. وأخيرا دخل سبيون المدينة من ناحية المرسى. فشد عليه السكان شدة عنيفة. وأرسلوا عليه كل ما لديهم من مهلكات ومحرقات. ولكنه صبر لها وفتك بمن ساقه القدر اليه من شيوخ ونساء وصبية وأحرق كل ما مر به. ودامت الحال على شدتها ستة أيام بلياليها. والتجأ الممحصورون الى هضبة برسة. وهم مع ذلك لا يسلمون قدما إلا بحقها. وكثرت الأموات حتى صاروا يرمونها من طريقهم بالمذاري.

وكان المحصورون بجبل برسة (١) ثلاثين ألفا. فلما أيسوا من النجاة ونفذ ما لديهم من وسائل الدفاع ومعدات الحصار أسلموا أنفسهم- ومعهم صدر بعل- لسبيون على أن يحفظ لهم أرواحهم. وكانت زوج صدر بعل أقوى منه جأشا فربأت بنفسها عن أن تحتمل


(١) جبل برسة هضبة بمدينة قرطاجنة. شاد بها الفرنسيون اليوم كنيسة ومتحفا وضريحا للقديس لويس التاسع ملك فرنسا الذي هلك في حربه ضد المستنصر بالله الحفصي بالوباء سنة ٦٦٩هـ - ١٢٧٠م.

<<  <  ج: ص:  >  >>