مقدونيا طلب مصينيسا من شيوخ رومة الاذن في زيارة عاصمتهم ليقدم قربانا للالهة " جوبيتر "(كوكب المشتري). فلم يرضوا ذلك الطلب- أظن لأسرار سياسية- وأجابوه بأن بوطنه آلهة فليتقرب لها ان شاء.
كانت اعانة مصينيسا لرومة على ضربين: إعانات خارج أفريقية غرضه بها مخادعة رومة بابداء صداقته لها، واعانات بأفريقية غرضه بها اضعاف قرطاجنة كي يتمكن من تنفيذ برنامجه الاستقلالي. فأعانها في حرب زامة التي كانت للرومان على القرطاجنيين. ووقع بينهما ذلك الصلح الذي اشتمل على المادة السادسة لفائدة مصينيسا. ومن ذلك الحين أخذ في تنفيذ برنامجه. واستعد له بتنظيم الجيش وتنشيط الفلاحة والتجارة. وصار يتقدم نحو قرطاجنة ويختزل من أراضيها. فرفعت شكواها منه الى رومة. وكررتها مرارا. فكانت رومة تغضي عن الاجابة أحيانا، وتعد على قرطاجنة مساعدة حنبعل لامير الشام أخرى. وأخيرا وجهت ثلاثة من الخبراء لينظروا في قضية قرطاجنة ومصينيسا. فلم ينصفوها وأبقوا له ما ملك من أراضيها.
وما زال مصينيسا على غاراته في تراب قرطاجنة. وهي تكرر شكواها منه لرومة حتى استمعت لها ووجهت ثلاثة خبراء أيضا. وكانوا يريدون تأدييد قرطاجنة لانهم يخشون من استفحال سلطان مصينيسا والقضاء على مطامعهم في أفريقية اذ كانوا لا تخفى عليهم غاية. وكانوا يظنون قرطاجنة في حالة بؤس وضعف بحيث لا يخشون جانبها. فلما نزلوا بها وشاهدوا حسن حالتها خلاف ما كانوا يظنون رأوا أن انصافها يعزز قوتها. وذلك مما يدفعها في المستقبل لتجديد الحرب مع دولتهم. فعدلوا عن قصدهم وتركوا ما كان على ما كان.
إذ ذاك عزمت قرطاجنة على أن تنصف نفسها بنفسها. فسعت