الدموية اصبحت تسير في عكس الاتجاه المعهود. وعرفت في الحين ان داء السكر قد عاودني وانه لن يفارقني حتى يقضي علي. وكذلك كان. فقد تضعضعت صحته بعد موت ابن باديس ولم يتمكن من متابعة القيام بدروس الجامع الاخضر التي كان يتولاها شيخه، فتحولت الدراسة الى تبسة حيث تكفل بها الشيخ العربي.
اذن فقد كانت العلاقة التي تربط بين الميلي وباديس اكثر من علاقة بين رئيس ومرؤوسه، وبين أستاذ وتلميذه: لقد كان لها طابع روحي بحيث لم يستطع الشيخ مبارك ان يتصور استمراره في الحياة دون ابن باديس.
وتجدر الاشارة في هذا المجال الى انه على الرغم من هذه العلاقة التي كان فيها ابن باديس يمثل الرئيس والاستاذ والنموذج الى جانب الصديق بالنسبة للشيخ مبارك، فقد كان ابن باديس هو الذي كتب أروع تقدير واشادة بمبارك الميلي عندما صدر الجزء الاول من تاريخه. فقد كتب اثر صدور ذلك الجزء رسالة الى الشيخ مبارك وجهها له من مصيف "حصن الماء"(برج الكيفان حاليا) في صيف ١٩٧٨ جاء فيها قوله:
الحمد لله.
أخي مبارك،
سلام ورحمة، حياك الله تحية من علم وعمل وعلم، وقفت على الجزء الاول من كتابك، فهو أول كتاب صور الجزائر في لغة الضاد صورة تامة سوية، بعدما كانت تلك الصورة اشلاء متفرقة هنا وهناك. وقد نفخت في تلك الصورة من روح ايمانك الديني والوطني ما سيبقيها حية على وجه الدهر، تحفظ اسمك تاجا لها في سماء العلا، وتخطه بيمينها في كتاب الخالدين.
أخي مبارك،
إذا كان من أحيا نفسا واحدة فكأنما أحيا الناس جميعا، فكيف من أحيا أمة كلها؛ احيا ماضيها وحاضرها، وحياتهما عند ابنائها