للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الموت، وهلك أهل القرى قاطبة، بحيث إن المسافر يمر بالقرية فلا يرى فيها نافخ نار، وتجد البيوت مُفتحةً وأهلها موتى، وصارت الطرق مزرعةً للموتى، ومأدبة بلحومهم للطير والسباع، وبيعت الأحرار والأولاد بالدراهم اليسيرة، واستمر ذلك سنتين.

قال أبو شامة في "الذيل": إنَّ العادل الكبير في هذه السنة كَفّنَ من ماله في مدة يسيرة نحوًا من مئتي ألف وعشرين ألف ميت، وقيل: ثلاث مئة ألف من الغرباء، وَأُكلَتْ الكلاب والميتات في مصر، وأكل من الصغار والأطفال خَلقٌ كثير، حتى إن الوالد يشوي ولده ويأكله، وكَثُر في الناس هذا حتى صار لا ينكر عليهم، ثم صاروا يحتالون بعضهم على بعض، ويأكلون من يقدرون عليه، وإذا غلب القوي على الضعيف ذبحه وأكله، وفُقِدَ كثيرٌ من الأطباء يدعونهم إلى المرضى فيذبحونهم ويأكلونهم. انتهى.

وفي سنة ثمان عشرة وسبع مئة حصل بديار بكر، والموصل، وإربل، وماردين، والجزيرة، وميافارقين، وغيرها الغلاء العظيم، وخربت البلاد، وبيع الأولاد، وكثر الموت في الناس، حتى إنه مات من جزيرة ابن عمر خمسة عشر ألفًا بالجوع، وبيع من الأولاد نحو ثلاثة آلاف صبي، وكان يُباع الصبي بنحو عشرة دراهم أو أكثر، ويشتريهم التتار.

ومات أكثر أهل ميافارقين بحيث لم يبق من أسواقها غير ست حوانيت، والموصل كان الغلاء بها أكثر من ماردين، وبيع بها الأولاد بحيث خلت الدور من أهلها، وأكلوا الجيف والميتات، وباع رجل ولده باثني عشر درهما.

وقال: قد أنفقت في ختانه خمسين دينارًا، وكان المشترون يَتحرّجُون من شراء أولاد المسلمين، فكانت المرأة والصبية تجعل نفسها نصرانية وتقر بالنصرانية؛ ليرغب فيها، وأهل إربل أكلوا النبات، ثم قشور الشجر، ثم الجيف، وجاءهم الموت الذريع، وجلا الباقي، ومات كثيرٌ منهم بالثلج. ذكر ذلك البِرْزَالي في "ذيل الروضتين"، وذكرت ملخصه.

اللهم؛ إنا نعوذ بك من الجوع؛ فإنه بئس الضجيع.

<<  <   >  >>