قامتان ونصف، وهي تجري على وجه الأرض، والصخر يَذُوبُ حتى يبقى مثل الآنك، فإذا خمد اسود بعد أن كان أحمر.
ولم يزل يجتمع من هذه النار الحجارة المذابة في آخر الوادي عند منتهى الحرة حتى قطعت في وسط وادي الشظاة إلى جهة جبل وعيرة، فسدت الوادي المذكور بسدٍّ عَظيمٍ من الحجر المسبوك ولا كسدِّ ذي القرنين؛ يُعْجَزُ عن وصفه، ولا مسلك لإنسان فيه ولا دابة.
وقال العماد بن كثير: أخبرني القاضي صدر الدين الحنفي قال: أخبرني والدي صفي الدين؛ مدرس مدرسة بُصرى، أنه أخبره غير واحد من الأعراب ممن كان بحاضرة بلدة بُصرى: أنهم رأوا صفحات أعناق إبلهم في ضوء تلك النار مصداق قوله - صلى الله عليه وسلم -.
وقد كان إقبال هذه النار من جهة شرق المدينة في جهة طريق السوارقية، وهناك حَبْسُ سيل؛ فإنه بين حرة بني سُلَيم، والسوارقية.
وبعد انطفاء النار في هذه السنة احترق مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وزادت دجلة زيادةً عظيمةً، فغرق أكثر بغداد، وتهدمت دار الوزير، وكان ذلك إنذارًا لهم.
وفي السنة التي تلي هذه السنة وقعت الطَّامةُ الكبرى (١)؛ وهي أخذ التتار لبغداد، وقتل الخليفة المستعصم، وبذل السيف ببغداد نَيفًا وثلاثين يومًا، وأُخرجت الكتب فألقيت تحت أرجل الدواب، وشوهد بالمدرسة النظامية معالف الدواب مبنية بالكتب موضع اللَّبِنْ، وخلت بغداد من أهلها، واستولى عليها الحريق، واحترقت دار الخلافة، وعم الحريق أكثر الأماكن حتى القصور البرانية وتربة الرِّصَافة مدفن ولاة الخلافة. ورُئِيَ على بعض حيطانها مكتوبًا شعر: