قال النووي: هذه الأحاديث كلها معجزة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد عُرِفَ هؤلاء الترك بجميع صفاتهم التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقاتلهم المسلمون مرات.
قال السخاوي (١) في "القناعة": ومن المرات التي قاتل فيها المسلمون الترك في دولة بني أمية، وكان ما بينهم وبين المسلمين مسدودًا، إلى أن فُتِحَ ذلك شيئا بعد شيء، وكثر السبي منهم؛ لما فيهم من الشدة والبأس، حتى كان أكثر عسكر المعتصم منهم، ثم غلبت الأتراك على المُلْك، فقتلوا ابنه المتوكل، ثم أولاده؛ واحدًا بعد واحد، إلى أن خالط المملكة الديلم.
ثم كانت الملوك السامانية من الترك أيضًا، فملكوا بلاد العجم، ثم غلب على تلك المماليك آل سُبْكتُكِين، ثم آل سلجوق، وامتدت مملكتهم إلى العراق، والشام، والروم.
وكان بقايا أتباعهم بالشام، وهم آل زِنْكي، وأتباع هؤلاء؛ وهم بيت أيوب، واستكثر هؤلاء أيضًا من الترك فغلبوهم بالديار المصرية، والشامية، والحجازية، وخرج على آل سلجوق في المئة الخامسة الغُزْ، فخربوا البلاد، وفتكوا في العباد.
ثم جاءت الطامة الكبرى بالتتار بعد الست مئة، فكان خروج جنكيز خان، واستعرت الدنيا بهم نارًا، لاسيما المشرق بأسره، حتى لم يبق بلدٌ منه حتى دخله شرهم، ثم كان خراب بغداد، وقتل الخليفة المستعصم على أيديهم، وهو آخر الخلفاء العباسية ببغداد؛ الذي رثاه مصلح الدين السعدي الشيرازي بالقصيدة الفارسية التي مطلعها:
آسمان راحق بُوَدُ كرون بكَريد برزمين ... برزوال ملك مستعصم أمير المؤمنين
ومعناه: حُقَّ للسماء أن تبكي على الأرض؛ لزوال ملك المستعصم أمير المؤمنين في سنة ست وخمسين وست مئة.
قال التاج السبكي في "طبقاته": لم يكن منذ خلق الله الدنيا فتنةٌ أكبر من فتنةِ