للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أنَّ أباه قد استخلفه، ومع الاستخلاف لا يشترط ذلك، ولا شك أنَّ أباه قد صار خليفةً حقا بنزول الحسن - رضي الله عنه - له، واجتماع الناس عليه.

وَيُرَدُّ بأنَّ هذا إنما هو بعد استقرار الأحكام وانعقاد الإجماع على تحريم الخروج على الإمام الجائر، أما قبل ذلك فكان الأمر منوطًا بالاجتهاد، واجتهاد الحسين رضي الله تعالى عنه اقتضى جواز بل وجوب الخروج على يزيد؛ لجوره وقبائحه التي تصمُّ عنها الآذان، ويزيد لم تنعقد بيعته عند الحسين - رضي الله عنه - وغيره ممن لم يبايعوه، والمبايعون له مكرهون على البيعة.

وغاية أمر يزيد إن لم يكن كافرًا؛ أنه جائرٌ فاسقٌ متغلب، وحرمة الخروج على الجائر محلها بعد استقرار الأمور، وانقضاء تلك الأعصار. انتهى

قُلْتُ: وأيضًا فإنَّ يزيد كان فاسقًا جاهلًا، وشرط الاستخلاف ابتداء العلم بالأحكام والعدالة، وقولهم: إنَّ الإمام الأعظم لا ينعزل بالفسق، إنما هو دوامًا لا ابتداء؛ فإنه يمنع من البيعة.

وأما تَغلبُ يزيد فإنما حصل بعد قتل الحسين - رضي الله عنه -، بل وبعد الحَرّة، حيث قُتِلَ أكثر من يستحق الخلافة.

على أنَّ أهل مكة لم يبايعوه، وأصروا مع ابن الزبير رضي الله عنهما على القتال زمنه وزمن أبيه معاوية.

ثم بعد موت معاوية بن يزيد بايع أهل الآفاق كلها لابن الزبير، وانتظم له مُلك الحجاز، واليمن، ومصر، والعراق، والمشرق كله، وجميع بلاد الشام، حتى دمشق، لم يَتخلّف عن بيعته إلَّا بنو أمية ومن يهوى هواهم، وكانوا بفلسطين.

حتى إنَّ مروان همَّ بالرحلة إلى مكة ليبايعه، فمنعه بنو أمية وبايعوه بالخلافة، وخرج بمن أطاعه إلى دمشق وقاتل الضحاك بن قيس المبايع لابن الزبير، فاقتتلوا بمرج راهط، فَقُتِل الضحاك، وغَلَبَ مروان على الشام، ثم توجه إلى مصر فحاصر عامل ابن الزبير بها حتى غلب عليها في ربيع الآخر سنة خمس وستين، ومات في تلك السنة، فكانت مدته ستة أشهر.

<<  <   >  >>