للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يشك في عدالته ظلومًا، والله لئن كانت الخلافة مغنمًا لقد نال أبي منها مغرمًا ومأثمًا. ولئن كانت شرًّا فحسبه منها ما أصابه.

ثم نزل، فدخل عليه أقاربه وأمه فوجدوه يبكي، فقالت له أمه: ليتك كنت حَيْضَةً، ولم أسمع بخبرك. فقال: وددت والله ذلك. ثم قال: ويلي إن لم يرحمني ربي.

ثم إنَّ بني أمية قالوا لِمُعَلِّمهِ عمرو المقصوص: أنت عَلّمته هذا، ولقنته إياه، وصددته عن الخلافة، وزينت له حُبّ عليٍّ وأولاده، وحملته على ما وسمنا به من الظلم، وحَسّنت له البدع حتى نطق بما نطق، وقال ما قال. فقال: والله ما فعلته، ولكنه مجبولٌ ومطبوعٌ على حُبِّ عليٍّ. فلم يقبلوا منه ذلك، وأخذوه ودفنوه حيًّا حتى مات.

وتوفي معاوية بن يزيد بعد خلعه نفسه بأربعين يومًا، وقيل: تسعين ليلة، وكان عمره ثلاثًا وعشرين سنة، وقيل: إحدى وعشرين سنة، وقيل: ثماني عشرة سنة، وقيل: عشرين سنة.

ويقال: إنه لما احتضر قيل له: أما تستخلف؟ فأبى، وقال: ما أصبت من حلاوتها شيئًا فلم أتحمل مرارتها. ولم يُعْقِب، رحمه الله رحمة الأبرار، ورحم به.

وكان قتل الحسين - رضي الله عنه -، ووقعة الحرة، وقتل ابن الزبير - رضي الله عنه -، ورمي الكعبة بالمنجنيق، واستحلال الحرم، من الشنائع التي وقعت في زمن يزيد.

قال ابن حجر في "شرح الهمزية": ولا عجب؛ فإنَّ يزيد بلغ من قبائح الفسق والإخلال بالتقوى مبلغًا لا يستكثر عليه صدور تلك القبائح منه.

بل قال الإمام أحمد بن حنبل بكفره، وناهيك به ورعًا وعِلمًا يقضيان بأنه لم يقل ذلك إلَّا لقضايا وقعت منه صريحة في ذلك، ثبتت عنده، وإن لم تثبت عند غيره؛ كالغزالي.

وبالغ ابن العربي المالكي فقال: لم يقتل يزيد الحسين - رضي الله عنه - إلَّا بسيف جده؛ أي لأنَّ البيعة سبقت ليزيد، وهو باغٍ عليه؛ لأنَّ كثيرين قدموا عليها مختارين

<<  <   >  >>