هذا كله في الدولة الأموية، بل نقل بعض المؤرخين أن الطواعين في زمن بني أمية كانت لا تنقطع بالشام، حتى كان خلفاء بني أمية إذا جاء زمن الطاعون يخرجون إلى الصحراء، ومن ثم اتخذ هشام بن عبد الملك الرُّصافة منزلًا.
ثم خَفَّ ذلك في الدولة العباسية، فيقال: إن بعض أمرائهم خطب بالشام، فقال: احمدوا الله الذي رفع عنكم الطاعون منذ وُلِّينَا عليكم، فقام بعض من له جراءةٌ، فقال: الله أعدل من أن يجمعكم علينا والطاعون، فقتله.
وأخرج ذلك ابن عساكر في "تاريخه"، وَسمّى الذي قال: جَعوَنة بن الحارث.
وأخرج ابن عساكر عن الأصمعي قال: لقي المنصور أعرابيًا بالشام، فقال: احمد الله يا أعرابي الذي رفع عنكم الطاعون بولايتنا أهل البيت، قال: إن الله لم يجمع علينا حَشفًا وَسُوء كَيل؛ ولايتكم والطاعون.
ثم كان في سنة أربع وثلاثين بالري، ثم في سنة ست وأربعين ببغداد، ثم في سنة إحدى وعشرين ومئتين بالبصرة.
قُلْتُ: كذا ذكره الحافظ ابن حجر والمؤرخون قبله، فكان بين هذين الطاعونين خمس وسبعون سنة، وفي هذه المدة كان مولد الإمام الشافعي - رضي الله عنه - ووفاته، فلم يقع في حياته طاعون.
وبذلك يُعْرف أن قوله السابق:(لم أر للوباء أنفع من البنفسج) لم يُرِد به الطاعون؛ لأنَّ الوباء غير الطاعون، كما تَقدّم الفرق بينهما، ويحتمل أنه أراد الطاعون، والمراد: الذي نَصَل صاحبه وقام واحتاج إلى علاجه، فَيدّهِنُ به كما يستعمل الناس الآن في علاجه الدهان بزبد اللبن البقري ودهن اللوز.
وظن طائفةٌ من الناس أنَّ مراد الإمام: أنَّ الادهان بدُهن البنفسج يمنع الطاعون من أصله، وليس كما ظنوه، والله أعلم.
ثم في سنة تسع وأربعين ومئتين بالعراق.
ثم في سنة ثمان ومئتين بأذربيجان وبرذعة، فمات لمحمد بن أبي الساج ثمانون ولدًا. ذكره صاحب "المرآة".