للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأمانة مَغْنمًا، وأطاع الرجل امرأته وَعقَّ أُمه، وقرب صديقه وأقصى أباه، وصارت الإمارات مواريث، وَسبَّ آخر هذه الأمة أولها، وأُكْرِمَ الرّجُل اتقاء شره، وكَثُرت الشُّرط، وَصَعِدت الجهال المنابر، ولبس الرجال التيجان، وضيقت الطرقات، وشُيد البناء، واستغنى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وَكَثُرت خطباء منابركم، وركن علماؤكم إلى وُلاتِكُم، فأحلوا لهم الحرام، وحرّموا عليهم الحلال، وأفتوهم بما يشتهون، وتَعلّم علماؤكم العلم، ليجلبوا به دنانيركم ودراهمكم، واتخذتم القرآن تجارة، وضيعتم حق الله في أموالكم، وصارت أموالكم عند شراركم، وقطعتم أرحامكم، وشربتم الخمور في ناديكم، ولعبتم بالميسر، وضربتم بالكَبَرْ والمعزفة والمزامير، ومنعتم محاويجكم زكاتكم ورأيتموها مَغْرمًا، وَقُتِلَ البريء ليغيظ العامة، واختلفت أهواؤكم، وصار العطاء في العبيد والسقاط، وَطُفِفت المكاييل والموازين، وَوَليت أموركم السفهاء" رواه أبو الشيخ، وعويس، والديلمي؛ كلهم عن عليّ كرّم الله وجهه.

ولنشرع في شرح ألفاظه؛ ليتم به النفع:

قوله: (أضاعوا الصلاة)؛ أي: تركوها، أو أخلوا بشيءٍ من أركانها وواجباتها.

ولا ينافي هذا ما ورد أنَّ: "أول ما يُرفع من الأمة الأمانة، وآخر ما يُرفع الصلاة"؛ لأن المراد بقاء صورة الصلاة، وهنا إضاعتها بالإخلال بخشوعها، أو شروطها.

وقوله: (أضاعوا الأمانة): قال في "النهاية": الأمانة تقع على الطاعة، والعبادة والوديعة والثقة والأمانة. انتهى

والكل جائزٌ هنا، أما في قوله الآتي: (الأمانة مَغْنمًا) فالمراد بها الوديعة.

قوله: (وشيدوا البناء)؛ أي: طولوها من الشيد، بمعنى الرفع، أو جصصوها وعملوها بالشيد؛ وهو كل ما طليت به الحائط من جصٍّ وغيره.

وقوله: (واتبعوا الهوى)؛ أي: ما تهواه أنفسهم من العقائد الفاسدة، والآراء الباطلة المخالفة للأحاديث الصحيحة.

<<  <   >  >>