قال: ومن الناس من يُدرك هذا المُتَخيّلَ بعين الحس ... إلى أن قال: فإن أدركت العين المتخيل، ولم تغفل عنه لم تختلف عليه التكوينات في الإرادة في مواضع مختلفات والذات واحدة لا يُشَكّ فيها، ولا انتقلت ولا تحولت في أكوان مختلفة، فيعلم أنه أدركها ببصره الحسي الذي يُدرك به المحسوسات. انتهى الغرض منه.
فعلم أنه ليس مَحْضَ خيال، بل هو مثالٌ محسوس، وقد وقع غير مرة تصديق هذا في الخارج؛ منها: أن رجلًا اغتسل بمصر فغطس في الماء وكان يوم الجمعة، فلما خرج منه رأى نفسه ببغداد، وتزوج هناك، وجاء بأولاد، وقعد سبع سنين فيها، ثم اغتسل في دجلة، فلما خرج منها رأى نفسه بمصر بمحل غسله في ذلك اليوم، وتلك الساعة، وأهله وأصحابه في انتظاره حتى يرجع ويلحق الجمعة. ثم بعد مدة قدمت امرأته وأولاده الذين ببغداد عليه ولحقوه بمصر.
إذا تمهد هذا فنقول: يحتمل أن يكون هذا من هذا القبيل، وأنه لبعض الناس أيام، ولبعضهم سُنُون، والكل موجود مُحقق. ولهذا تَرتبت عليه الأحكام، ووَجبت الصلاة فيها؛ كما في الحديث المار، وهنا وجه آخر أبعد من هذين فلا نذكره، والله أعلم.
وأما كيفية خروجه: فالروايات فيه مختلفة، وأبسط حَديثٍ فيه حديث النواس - رضي الله عنه - عند مسلم، وغيره.
وحديث أبي أمامة - رضي الله عنه - عند ابن ماجه، وابن خزيمة، والحاكم، والضياء.
وحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - عند نُعيم بن حماد، والحاكم.
وحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - عند مسلم، وعند البخاري معناه.
وحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - أيضًا عند الحاكم.
فلنسق هذه الأحاديث مساقًا واحدًا، ولنجمع بين اختلافها بحسب الإمكان والتيسير، ونزيد بعض الزيادات من غيرها، وبالله التوفيق وعليه التكلان:
قال: خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنه لم يكن في الأرض منذ ذرأ الله