فبكى أنس - رضي الله عنه -، وقال: كان أشبههم برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقال زيد بن أرقم: ارفع قضيبك، فوالله لطالما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقبّل ما بين الشفتين. وبكى، فأغلظ عليه اللعين ابن زياد، وهدده بالقتل، فقال: لأُحدّثَنّك بما هو أَغيظُ عليك من هذا: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقعد حَسنًا على فَخِذه اليمنى، وحُسينًا هذا على فَخِذه اليسرى، ثم وضع يده الكريمة على يافُوخِهما، ثم قال:"اللهم؛ إني استودعتك إياهما وصالحَ المؤمنين".
فكيف كانت وديعة النبي - صلى الله عليه وسلم - عندك يا بن زياد؟ !
وقد انتقم الله منه؛ فقد رَوى الترمذي بسندٍ صحيح؛ أنَّ رأس ابن زياد لما قتل وضع موضع رأس الحسين، وإذا حَيّةٌ عَظيمةٌ قد جاءت، فتفرق الناس عنها، فتخللت الرؤوس حتى جاءت رأس ابن زياد، فجعلت تدخل من فمه، وتخرج من منخريه، وتدخل من منخريه، وتخرج من فمه، فعلت ذلك مرتين، أو ثلاثًا.
ولما دخل قصر الإمارة بالكوفة أُمر بالرأس فوضع على تُرْسٍ عن يمينه، والناس سِمَاطَان، ثم أُنزلَ، وَجُهزه مع رؤوس أصحابه، وسبايا آل الحسين على أقتاب الجمال موثقين في الحبال، والنساء مكشفات الوجوه والرؤوس إلى يزيد لعنه الله.
ولما نزل الذين أرسلهم ابن زياد بالرأس أول منزل جعلوا يشربون بالرأس، فخرجت عليهم يَدٌ من الحائط فكتبت سطرًا بدم:
أترجو أمة قتلت حُسينًا ... شفاعة جده يوم الحساب
فهربوا وتركوا الرأس، ثم عادوا وأخذوه.
ولما قَدِمُوا به على يزيد أقام الحريم على درج الجامع، حيث تقام الأسارى والسبي.
ومما ظهر يوم قتله: أنَّ السماء أمطرت دمًا، وأنَّ أوانيهم مُلئت دمًا، وانكسفت الشمس، ورؤيت النجوم، واشتد الظلام حتى ظنَّ الناس أنَّ القيامة قد قامت، وأنَّ الكواكب ضربت بعضها بعضًا، وأنه لم يُرفع حَجرٌ إلَّا رُئِيَ تحته دَمٌ عبيط، وأنَّ الورس انقلب دمًا، وأنَّ الدنيا أظلمت ثلاثة أيام.