للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ثم قال صاحب "الكشاف". لم يفرق كما تري بين النفس الكافرة إذا آمنت في غير وقت الإيمان، وبين النفس التي آمنت في وقتها ولم تكتسب خيرًا؛ ليعلم أن قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} جَمعٌ بين قرينتين، لا ينبغي أن تنفك إحداهما عن الأخري حتي يفوز صاحبهما ويسعد، وإلا فالشقوة والهلاك. انتهي كلام "الكشاف".

وأشار البيضاوي لظهور دلالة الآية لهذا المعني؛ فقال: والمعني أنه لا ينفع الإيمان حينئذ نفسًا غير مقدمة إيمانها، أو مقدمة إيمانها غير كاسبة في إيمانها خيرًا، وهو دليل لمن لا يعتبر الإيمان المجرد عن العمل؛ أي: بل يجعل العمل جزءًا من أصل الإيمان وحقيقته كالمعتزلة، لا من يجعله جزءًا من كماله، وزيادته كجمهور أهل السُّنَّة وعامة أهل الحديث وأكثر الأئمة.

ثم أشار البيضاوي إلى الجواب عن ذلك بثلاثة أجوبة اختصارًا؛ فقال: وللمُعْتبِر؛ أي: لمن يعتبر الإيمان المجرد عن العمل تخصيص هذا الحكم بذلك اليوم، وحمل الترديد علي اشتراط النفع بأحد الأمرين علي معني {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا} خلت عنها إيمانها، والعطف علي {لَمْ تَكُنْ} بمعني لا ينفع نفسًا إيمانها الذي أحدثته حينئذ وإن كسبت فيه خيرًا. انتهي

وتقرير كلامه: أنا نُجِيبُ أولًا: بأنا نُسَلّم أن المعني كذلك لكن نَخُصُّ الحكم بذلك اليوم، ولا نعممه بجميع الأزمنة؛ فمن مات مؤمنًا قبل ذلك اليوم نفعه إيمانه وإن لم يكن كسب فيه خيرًا ولم يعمله، ومن أدرك ذلك اليوم: إن قدم الإيمان عليه، وكسب فيه خيرًا نفعه، وإلا؛ بأن لم يقدمه أو قدمه من غير كسب خير فيه فلا.

هذا حاصل الجواب الأول، وفيه أن العمومات دلت علي أن الإيمان المجرد نافعٌ في جميع الأحوال والأوقات.

وحاصل الجواب الثاني: أن (أو) تكون تارة لعموم النفي؛ كقوله تعالي: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا}؛ أي: واحدًا منهم، وأخري لنفي العموم وذلك إذا قدر عطف النفي علي النفي، ثم جيء بـ (أو) والآية من الأول، فالمعني: لا ينفع نفسًا لم تقدم

<<  <   >  >>