إيمانًا ولا كسبت فيه خيرًا؛ أي: نفسًا خالية من الأمرين جميعًا، عارية عنهما، وعليه اقتصر أبو السعود في "تفسيره".
واعترض هذا الوجه بأن انتفاء الإيمان مُستلزمٌ لانتفاء كسب الخير فيه، فلا وجه للترديد بينهما.
وأجاب عنه أبو السعود بأجوبة، وأطال فيها الكلام، وكلها مخدوشة، وهي بالنكات البيانية الخطابية أشبه منها بالأجوبة.
وأقربها: قوله: ولك أن تقول المقصود من وصف نفسًا بما ذكر من العدمين التعريض بحال الكفرة في تمردهم وتفريطهم في كل واحدٍ من الأمرين الواجبين عليهم وإن كان وجوب أحدهما منوطًا بالآخر؛ كما في قوله عز وجل:{فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} تسجيلًا علي كمال طغيانهم، وإيذانًا بتضاعف عقابهم؛ لما تقرر من أن الكفار مخاطبون بفروع الشرائع في حق المؤاخذة؛ كما يُنبيء عنه قوله: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} اهـ
وهذا الذي قاله قريبٌ، لكنه خلاف مذهبه، فإن الكفار عندهم غير مكلفين بالفروع، والله أعلم.
وحاصل الجواب الثالث من أجوبة البيضاوي: أنَّا لا نعطف {أَوْ كَسَبَتْ} علي {آمَنَتْ} كما في الوجهين الأولين حتي يلزم دخول الأمرين في حيز النفي، بل نعطفه علي النفي نفسه، أعني:{لَمْ تَكُنْ}، فيكون الترديد بين النفي والإثبات لا بين المنفيين.
فالمعني: لا ينفع نفسًا لم تقدم إيمانًا علي ذلك اليوم إيمانها، سواء لم تؤمن أصلًا؛ لأنه يصدق علي من لا يؤمن أنه لا ينفعه الإيمان؛ لأن النفع فرع الوجود، فإذا انتفي انتفي نفعه أيضًا. أو أحدثته ذلك اليوم وكسبت فيه خيرًا أيضًا؛ لأن الإيمان شرطه أن يكون بالغيب، فإذا صار الأمر معاينة لم ينفعها. وهذا هو معني قول البيضاوي: بمعني لا ينفع نفسًا إيمانها الذي أحدثته وإن كسبت فيه خيرًا.
فانظر إلى هذا السحر الحلال: كيف أدرج رحمه الله ثلاثة أجوبة في مقدار