سطرين، وغيره سود وجه ورقة كاملة بجوابٍ واحد ولم يقدر علي بيانه حق البيان! ! قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ من البيان لسحرًا، وإنَّ من الشعر لحكمة". ولا شك أن التأييد والهداية من الرحمن؛ فإنه الذي: {عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤)}.
ثم لما كان كلٌّ من الجوابين الأولين فيه ما مر، والثالث فيه خَفاءٌ وفي دلالة الكلام عليه بعد اختيار جَمْعٍ من المحققين -كالعلامة التفتازاني، وابن الحاجب، وصاحب "الانتصاف"، وابن هشام، وعليه اقتصر المحقق الكوراني في "تفسيره"- جوابًا آخر غير الثلاثة، وهو أن الآية من قبيل اللف التقديري؛ أي: لا ينفع نفسًا إيمانها، ولا كسبها في الإيمان لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرًا.
والمعني: أن الناس في التوبة قسمان؛ قسمٌ تائب عن الكفر، وقسمٌ عن المعاصي، فالكافر إن قدم الإيمان علي ذلك اليوم قُبِل منه ونفعه إيمانه بعد ذلك اليوم أيضًا، وإلا فلا، والعاصي إن تاب عن المعصية قبل ذلك قُبِلت منه ونفعته بعد ذلك اليوم أيضًا، وإلا فلا قبول ولا نفع.
وهذا هو معني ما مر في الحديث: أنهم يجري لهم وعليهم بعد ذلك اليوم ما كانوا يعملون قبل ذلك اليوم.
قال صاحب "الانتصاف": هذا الفن من الكلام في البلاغة يُلقب باللف التقديري، وأصله: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن مؤمنة من قبل إيمانها بعد، ولا نفسًا لم تكتسب في إيمانها خيرًا قبل ما تكسبه من الخير بعد، فلف الكلامين فجعلهما كلامًا واحدًا؛ اختصارًا وإيجازًا وبلاغة.
قال: فظهر بذلك أنه لا يُخالف مذهب أهل الحق، ولا ينقطع بعد ظهور الآيات اكتساب الخير؛ أي: في النوع الذي كان يعمله قبل، لا في مطلق الخير؛ لئلا يُخالف ما مر، وأن نفع الإيمان المتقدم باقٍ في السلامة من الخلود في النار.
وقال: فهو بالرد علي مذهب الاعتزال أولي من أن يدل له.