للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم الظاهر أن الجائي إليه بالوحي هو جبريل عليه السلام، بل هو الذي نقطع به ولا نتردد فيه؛ لأن ذلك وظيفته، وهو السفير بين الله وبين أنبيائه، لا يُعْرَفُ ذلك لغيره من الملائكة، وقد أخرج أبو حاتم في "تفسيره": أنه وُكّلَ جبريل عليه السلام بالكتب والوحي إلى الأنبياء.

وأما ما اشتهر على ألسنة العامة أن جبريل عليه السلام لا ينزل إلى الأرض بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا أصل له، وقد ورد في غير ما حديث نزوله إلى الأرض؛ كحضور موت من يموت على طهارة، ونزوله ليلة القدر، ومنعه الدجال من دخول مكة والمدينة ... إلى غير ذلك.

ثم وقفت على سؤالٍ رفع إلى شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني: هل ينزل عيسى عليه السلام في آخر الزمان حافظًا للقرآن العظيم، ولسنّة نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم -، أو يتلقى الكتاب والسُّنّة عن علماء ذلك الزمان؟

فأجاب: لم يُنقل في ذلك شيءٌ صريح، والذي يليق بمقام عيسى عليه السلام أنه يتلقى ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيحكم في أمته كما تلقاه عنه؛ لأنه في الحقيقة خليفة عنه".

انتهى ما أردنا نقله من كلام العلامة الشيخ علي القاري الحنفي عامله الله باللطف الخفي، وهو في غاية النفاسة.

ثم رد أيضًا قول القائل: إن المهدي يقلد الإمام أبا حنيفة رحمه الله، بالأدلة الشافية، لكنه قرر أنه مجتهدٌ مطلق، وهو يُخالف ما مر عن الشيخ محيي الدين في "الفتوحات" أن المهدي لا يعلم القياس ليحكم به، وإنما يعلمه ليجتنبه، فلا يحكم المهدي إلا بما يُلْقِي إليه المَلَكُ من عند الله الذي بعثه الله إليه يُسدده، وذلك هو الشرع الحنيفي المحمدي الذي لو كان نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - حيًا، ورُفعت إليه تلك النازلة لم يحكم فيها إلا بحكم المهدي، فيعلم أن ذلك هو الشرع المحمدي، فيحرم عليه القياس مع وجود النصوص التي منحه الله إياها، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - في صفته: "يقفو أثري لا يخطئ"، فعرفنا أنه مُتبع لا مُشرع. انتهى كلام "الفتوحات".

فعلى هذا: المهدي ليس بمجتهد؛ لأن المجتهد يحكم بالقياس، وهو يحرم

<<  <   >  >>