للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لصار كتابًا مُستقلًا، إلا أني أعرضت عنه صفحًا؛ لقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}.

فبطل قول القائل، بل وكفر فيما ظهر، لاسيما فيما أبرز بالنسبة إلى نبي الله عيسى عليه السلام المُجمع على نبوته سابقًا ولاحقًا، فمن قال بسلب نبوته كفر حقًا؛ كما صرح به الإمام السيوطي؛ فإن النبي لا يَذْهَبُ عنه وصف النبوة ولا بعد موته.

وأما حديث: "لا وحي بعدي" فباطلٌ لا أصل له.

نعم؛ ورد: "لا نبي بعدي"، ومعناه عند العلماء: أنه لا يحدث بعده نبي بشرع يَنْسَخُ شرعه.

وقد صرح الإمام السبكي في تصنيفٍ له: أن عيسى عليه السلام يحكم بشريعة نبينا - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن والسُّنَّة (١)، وحينئذ يترجح أن أخذه للسُّنَّة من النبي - صلى الله عليه وسلم - بطريق المشافهة من غير واسطة، أو بطريق الوحي والإلهام.

وقد رُوي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه لما أكثر الحديث، وأنكر عليه الناس قال: لئن نزل عيسى ابن مريم قبل أن أموت لأحدثنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيصدقني.

فقوله: (فيصدقني) دليلٌ على أن عيسى عليه السلام عَالِمٌ بجميع سُنَة النبي - صلى الله عليه وسلم -، من غير احتياج إلى أن يأخذها عن أحدٍ من الأمة، حتى إن أبا هريرة - رضي الله عنه - الذي سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - احتاج إلى أن يلجأ إليه؛ ليُصدقه فيما رواه ويزكيه.

فإن قلت: هل ثبت أن عيسى عليه السلام بعد نزوله يأتيه الوحي؟

فالجواب: نعم؛ ثبت في حديث النواس بن سمعان - رضي الله عنه - عند مسلم وغيره، فإن فيه: "فيقتل عيسى الدجال عند باب لُدّ الشرقي، فبينما هم كذلك إذ أوحى الله تعالى إلى عيسى ابن مريم: أني قد أخرجت عِبادًا من عبادي لا يَدَانِ لك بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور. . ." الحديث.


(١) وقريبًا منه ما في "الفتاوى الحديثية" لابن حجر (ص/ ١٣١ ص ١٣٢). (ز).

<<  <   >  >>