للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما يزيد (١)، وبنو الحكم: فهم ملعونون على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولذا قال أحمد ابن حنبل حين سأله ابنه عن لعن يزيد: كيف لا يُلعن من لعنه الله في كتابه، فقال: قد قرأت كتاب الله، فلم أر فيه لعن يزيد. فقال: إن الله يقول: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (٢٢) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}، وأي فساد وقطيعة رحم أَشدُّ مما فعله يزيد يا بني؟ ! ! .

نعم؛ عمر بن عبد العزيز من الأئمة الراشدين، والخلفاء المهتدين، ويجب استثناؤه من بني أمية؛ كما استثناه النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: "إلا الصالحون منهم، وَقليلٌ مَا هُمْ"، بخلاف بقية بني أمية كما مر.

وكذلك من بعدهم؛ من بني العباس؛ وغيرهم، فأكثرهم أو عامتهم ظَلمةٌ فَسقةٌ، وأحسن من فيهم المتوكل؛ وهو كان في النَّصْب بحيث هدم قبر الحسين - رضي الله عنه -، وجعله مزرعة، ومنع الناس زيارته، وقال في ذلك بعض الشعراء شعرًا:

تاللهِ إِنْ كَانَتْ أُمَيَّةُ قَدْ أَتَتْ ... قَتْلَ ابْنِ بِنْتِ نَبِيِّهَا مَظْلُومَا

فَلَقَدْ أتاهُ بَنُو أَبِيْهِ بِمِثْلِهِ ... هَذَا لَعَمْرُكَ قَبْرُهُ مَهْدُومَا

أَسِفُوا عَلَى أَنْ لاَ يَكُونُوا شَارَكُوا ... فِي قَتْلِهِ فتَتَبَّعُوهُ رَمِيمَا

وَحكى ابن خلكان في ترجمة ابن السِّكِّيت: أنه كان جالسًا يومًا مع المتوكل، وكان يُؤَدّبُ أولاده، فجاء ولداه؛ المعتز، والمؤيد، فقال: يا يعقوب؛ أيما أحب إليك: ابناي هذان، أم الحسن والحسين؟ فقال: والله إن قَنبر خادم علي بن أبي طالب خَيرٌ منك ومن ابنيك. فقال المتوكل للأتراك: سُلُّوا لسانه من قفاه. ففعلوا، فمات ليلة الإثنين لخمس خلون من شهر رجب سنة أربع وأربعين ومئتين، ثم أرسل المتوكل لولده عشرة آلاف درهم وقال: هذا دية والدك. انتهى


(١) أنكر الغزالي رحمه الله في "الإحياء" (٣/ ١٠٨) جواز لعنه. انظر: "شرح الإحياء" (٧/ ٤٨٨)، و"حياة الحيوان" (٢/ ١٨٦)، و"تهذيب التهذيب" (ج ١٢)، و"الشامي" (٢/ ٥٨٧)، و"الفتاوى الرشيدية" (١/ ٣/ ٢٦)، و"فتاوى عبد الحي اللكنوي" (١/ ٣٦) و"شرح العقائد" (ص ١١٧). وتقدم أيضًا في "الإشاعة" (ص ٦١) (ز).

<<  <   >  >>