للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلي هذا: فلو ثبت لفظ: "يوم القيامة" في "البخاري" أيضا لوجب تأويله بذلك كذلك؛ لذلك.

وأقول: قد مر في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند أحمد، والترمذي وقال: حسنٌ صحيح: "ستخرج نار من حضرموت، أو من بحر حضرموت، قبل يوم القيامة تحشر الناس. . . ." الحديث.

فقد صرح بكونه قبل يوم القيامة، وحديث حذيفة بن أسيد عند غير البخاري: "لن تقوم الساعة حتي تروا قبلها. . . ." الحديث، فقد تعارض مع حديث البخاري المذكور علي تقدير ثبوت لفظة: "يوم القيامة"، ولا يمكن تأويلهما بخلافه، فوجب المصير إليه دفعًا للتعارض، فثبت أن الحق أن النار قبل يوم القيامة، وبالله التوفيق.

فإن قلت: كون النار آخر الآيات يستلزم أن لا يكون في الأرض خيار، وقد صُرح بذلك في حديث حذيفة - رضي الله عنه - عند الطبراني، وابن عساكر المار؛ فإن فيه: "قيل: يا رسول الله؛ أهي سليمة علي المؤمنين والمؤمنات؟ قال: وأين المؤمنون والمؤمنات يومئذ؟ ! . . . ." الحديث.

وفي حديث ابن عمرو رضي الله عنهما عند أحمد، وأبي عبيدة، وعند أبي داود، والحاكم، وأبي نُعيم: "فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم".

وفي بعض الأحاديث: "راغبين راهبين وطاعمين كاسين"، فيلزم أن يوجد الخيار يومئذ، وهذا تناقض أو كالتناقض.

قُلْتُ: ليس في الحديث إلا أن خير الناس يهاجرون باختيارهم إلى الشام في رفاهية ورخاء، ولا يلزم من ذلك أن يبقوا إلى خروج النار، بل الثابت أن الريح تقبضهم ولا يبقي إلا الشرار، وأن المراد خيارهم في حال حياة الدنيا من يذهب بنفسه، وهم الطاعمون الكاسون الذين يجدون الظهر والسعة، ولا يلزم من ذلك أن يكونوا خيارًا عند الله، وكونهم راغبين في الوصول إلى السلامة، راهبين من النار كما فسره به الطيبي لا يلزم منه أن يكونوا مؤمنين.

<<  <   >  >>